بينما كان الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز أمير منطقة عسير يدشن النسخة التطويرية من صحيفة (آفاق) الصادرة من الجامعة مع عدد من المشروعات البحثية والإلكترونية، إذا برسائل جوال تصل إلينا أن أحد طلاب الجامعة
قد انتحر وسقط من مبنى مجاور على بعد أمتار من مكان التدشين، وهذه الرسائل تعكس تغريدات تناقلتها بعض حسابات في شبكة تويتر. هذه الرسائل أربكت بعض الأشخاص في الجامعة، لأن موضوع الانتحار أمر غير مقبول شرعا وغير مقبول إنسانياً، إضافة إلى أن بعض التغريدات أسقطت أموراً بعيدة ومستبعدة على الحادثة جعلت منها رأيا عاما خلال ساعات من الحادثة من أقصى المملكة إلى أقصاها.
وبسرعة تلقينا تفاصيل الحادثة وهي غير ذلك تماماً ولكن بعد أن تداولت مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من اللغط عن موضوع الحادثة، والكثير من التأويلات التي لم تراع أي مصداقية في هذا الموضوع. وما فاقم من تأزم الحادثة وقابلية تصديقها هو الصور التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي من الطالب وهو ساقط على الأرض وحوله كميات من الدماء، ومعها تعليقات انه انتحر نتيجة سقوطه من الطابق الثاني لمبنى كلية العلوم الإنسانية. هذه اللحظات التجمعية التي كانت موجودة عند الحادثة هي التي تناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي وانتشرت بشكل غير طبيعي.
الطالب عبد الله القحطاني الذي توفاه الله يوم الثلاثاء الماضي كان طالبا بكلية الشريعة وهو متفوق، ولكنه كان يعاني من أزمات قلبية أجرى على أثرها عدة عمليات في القلب، وقد جاء إلى الكلية في ذلك اليوم لحضور محاضراته اليومية لكنه شعر بألم في قلبه وتوقف بل جلس على الدرج الخارجي للمبني، ولم يستطع أن يواصل وطلب ممن حوله أن يسعفه بماء، ولكن في هذه الأثناء حدث له نزيف داخلي أدى به إلى استفراغ بعض الدماء وسالت حوله وتجمع عدد ممن كان حول المكان وتم استدعاء الإسعاف لكنه أخيرا فارق الحياة رحمه الله.
هذه هي القصة الواقعية التي حدثت، ولكن ما تناقلته وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي هو غير ذلك تماماً، منها انه انتحر ساقطا من الطابق الثاني، ومنها أن زميلا له أسقطه من أحد طوابق المبنى... الخ من الادعاءات التي شوهت حقائق الموضوع.. ولقد كان الحادث مؤلماً ومأساوياً على كل منسوبي الجامعة ولكن كان الألم اشد بسبب الصيغة التي خرجت بها هذه الحادثة أمام الرأي العام في المملكة، وزاد من سوء التخريج ما بثه بعض أصحاب الحسابات أو أعادوا تغريده على تويتر من إسقاطات خارجه عن سياق الموضوع من أساسه، وتحميل الحادثة اكبر مما تحتمل.
إن حضور مدير جامعة الملك خالد الدكتور عبد الرحمن الداود ووكلاء الجامعة والعمداء والصلاة على الميت وتعزية أهل الفقيد يعكس روح العلاقة بين الجامعة وكل منسوبيها وحرص الجامعة لان تكون بيئة اجتماعية جاذبة لطلابها وطالباتها بما يؤسس علاقة أخوة وحميمية صادقة بين كل منسوبي الجامعة.. وفاة عبد الله القحطاني شكلت مأساة على نفسيات منسوبي الجامعة ولكن للأسف نحن نشعر بأن عبد الله قد مات مرتين، مرة عندما لم يستطع قلبه الصغير أن يتحمل جسده النحيل وسقط نتيجة نزيفه الداخلي، ومرة أخرى مات عبد الله بسبب تشويه وسائل الإعلام الاجتماعي لحادثة مرضه ووفاته.
نعود إلى مشكلة التناول غير الدقيق لوقائع تحدث على ارض الواقع لكنها تتشوه عندما تصل إلى بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تتوارى من أجل السبق أو التفرد من طرح تغريدات غير صائبة وبعيدة عن الواقع، وكذلك يجب أن يتحمل من صور ومن كتب أول التعليقات وأرسلها لمواقع التواصل الاجتماعي وبثها دون أن يتحقق من أمور تبدو بديهية أمامه، ولو سأل أو استفسر ممن حوله لما حدث ما حدث.. ولكان الخبر الذي تناولته وسائل التواصل الاجتماعي أن طالبا من جامعة الملك خالد سقط نتيجة نزيف داخلي عندما كان بالجامعة.
إن وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي وسائط لها رسالتها التي يحب أن تتوجه إلى الحقائق ونقل المعلومات الصحيحة، ومن يشارك بالكتابة أو التعليق أو النقاش مستأمن على كل كلمة يكتبها أو عبارة ينقلها إلى الرأي العام المحلي أو الوطني.. وكلما تزداد هذه الحالات العشوائية في النقل والبث تصبح مصداقية هذه الوسائل على المحك، وليست هذه المرة الأولى التي نسمع ونقرأ عن تحريف لوقائع مختلقة أو معلومات مزيفة.. وما يفاقم من مشكلة وأزمة شبكات التواصل الاجتماعي أنها باتت - على الأقل - مختطفة من شرائح لها أهواؤها ولها مصالحها التي تفيض من تعليقاتها وشروحاتها ما يشوه الواقع أو يوجهه لخدمة هذه الأهواء والمصالح.
alkarni@ksu.edu.sa- المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود - رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال