لو ألقيت نظرة على قائمة أسماء الشيوخ الذين ينتجون الفتاوى المحرضة، فلن تجد من بينهم ولو واحداً فقط من ضمن مشايخ هذه البلاد المباركة وعلمائها المعتبرين، وأعني بهم العلماء الذين يأخذ العقلاء منهم وبثقة كاملة فتاواهم ويسألونهم عما يشكل عليهم في أمور حياتهم. معظم هؤلاء الشيوخ من المغمورين أو من الذين يعيشون على الهامش أو ينطلقون في فتواهم من مواقف معادية، ومنهم من يعملون لصالح تيارات سياسية تتحرك تحت ستار الدين وتسعى لجذب الأتباع عن طريق فتاوى دينية تسوّغ لها قيامها بأعمالها المخالفة لسياسة الدولة، وتجيز لها تنظيم المظاهرات والاعتصامات كي يختل الأمن وحينها تنفذ ما تريد، لأن الجماعات الحركية تجد في الانفلات فرصة سانحة للوصول لما تريد.
الشيوخ الذين ينتجون الفتاوى التحريضية جل أتباعهم إما من الشباب المتحمسين، أو من البسطاء الذين لا يدركون عواقب الأمور، أو من الحمقى الذين أجّروا عقولهم لهؤلاء الشيوخ يُشكّلونها كما يريدون، فيأخذون عنهم الفتاوى والتوجيهات وكأنها وحي منزل، ثم يسارعون لتنفيذها فوراً كسباً لرضا الشيخ وخوفاً من سخطه، حتى ولو رماه الشيخ في جوف المحرقة، فهو يتحرك خلفه دون وعي وكأنه مسلوب الإرادة، فمقوده بيد شيخه ينفذ ما يطلب منه دون نقاش.
أظهرت واحدة من الإفادات التي أدلى بها متهمون بإرهاب القاعدة ويخضعون للمحاكمة في المحكمة الجزائية بالرياض ضمن خلية 49 استناد عدد منهم لفتاوى ظهرت في قناة دينية معروفة أجازت الذهاب للعراق بنية الجهاد، وأنهم عادوا للبلاد من تلقاء أنفسهم بعد أن تبيّن لهم أن الصورة غير التي نقلت لهم عبر الفتوى، وأن القتال الدائر في العراق غير واضح المعالم، وأن الراية عمياء لا ندري نقاتل مَنْ، أو نقاتل لأجل من! هكذا للأسف يتم التلبيس على البسطاء لجلب المزيد من الجنود لتنظيم القاعدة الإرهابي. يذهب هؤلاء الشباب، تاركين أوطانهم ومخلفين أهلهم وعائلاتهم يعيشون الحسرة، ومنهم من هو في أشد الحاجة لهم، إما لفقره أو مرضه أو كبره أو عجزه، وتفيدنا المحصلة النهائية بأن عدد المعتقلين السعوديين في السجون العراقية حالياً 62 معتقلاً، محكومٌ على أكثر من 15 معتقلاً منهم بالإعدام. هؤلاء من ضحايا الفتاوى المحرضة وغيرهم كثيرون مكثوا في المعتقلات والسجون، ومنهم من مات أو فُقد لا يدرى ما مصيره؟
الشيخ المحرض يصدر فتواه، وهو قاعد في مجلسه الوثير لا تهمه العواقب والمآلات التي سيصير إليها من غرّر بهم، إن حقق ما يريد زاد في إشعال الفتيل، وإن خاب وخسر وهو الأقرب تراجع عن فتواه.. أحد شيوخ التحريض أجاز المظاهرات والاعتصامات، ووضع لها شروطاً مضحكة تدينه وتقوّض فتواه على رأسه. من هذه الشروط أن تكون المطالب مشروعة، ونحن نعرف أن من له حق مشروع، فليذهب مباشرة إلى صاحب الاختصاص ليُطالب بحقه، ثم يضيف شرطاً آخر بأن لا تؤدي المظاهرات إلى منكر فأي منكر أكبر من الخروج على طاعة ولي الأمر وإخراج النساء من بيوتهن ورفع أصواتهن ونزعهن لرداء الحشمة، ثم يضيف آخر شرطاً ابتكارياً من شروطه بأن لا تتسبب المظاهرات في إلحاق ضرر في الأنفس والممتلكات، وعليه أن يذكر لنا مظاهرة واحدة على مستوى العالم لم تخلف أضراراً، إما في الممتلكات أو الأرواح.
مثل هذا الشيخ التحريضي يجب أن يُوقف عند حده قبل أن تفتك فتاواه بالمزيد من الضحايا.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15