هل بإمكانك تصور المشهد التالي؟ أنت جالس على مكتبك تتأهب لسداد بعض الفواتير، إنك تذكر أن فاتورة الكهرباء يجب أن تسدد، ولكنك لا تذكر أين وضعتها، ثم يدخل ابنك ويقول إنه يحتاج إلى شهادة ميلاده غداً ليثبت أنه وصل السن التي تؤهله لدخول المدرسة.. أين هي؟
ويتصل أحد الأصدقاء ليسألك ما إذا كنت غير مشغول يوم الثامن عشر لكي تلتقيا لسبب أو لآخر، هذا التاريخ بالذات عالق في ذهنك إنك تعتقد أنه ربما توجد ملاحظة في تقويمك المكتبي بخصوص هذا التاريخ، ولكن لا يوجد شيء في تقويمك المنزلي عنه.
إن ما تشرع به الآن هو زأرة النمر - النمر الورقي - وقد يبدو أنه من الصعب السيطرة عليه، وأن الوضع يبعث على اليأس، ولكن الحقيقة هي أنك تستطيع وضع حد لهذه الفوضى - ترويض هذا النمر - باستخدام أداة فعالة، ألا وهي نظام إدارة للأوراق.
إن إدارة الأوراق هي أداة تساعدك على تحقيق أمورك المهمة، سواء كانت العثور على شهادة الميلاد عندما تحتاج إليها، أو دفع فواتيرك في الوقت المناسب، أو العثور على كل الأوراق التي تحتاج إليها.
يقصد بإدارة الأوراق تصميم نظام يناسب احتياجاتك الخاصة ومهما كنت، أو مهما كانت طبيعة مشكلات أوراقك، فإن أمامك سبيلاً لتحسين الطريقة التي تتعامل بها مع الأوراق، وذلك بإعادة تصميمها لتناسب احتياجاتك الخاصة وأسلوب حياتك، ربما تستطيع معالجة مشكلة نوعية واحدة من الأوراق، ولكنك، لأسباب عديدة لم تقم بذلك. غير أنه لن يمضي وقت طويل قبل أن تضيع هذه النوعية من الورق وأنت تقوم بفرز أوراق أخرى، بعد ذلك تجد أنك تنهمك في هذا الكم الهائل من الورق بدرجة لن تستطيع معها اتخاذ الإجراء المناسب لإيقاف هذا الوضع السيئ.
إذن، يتطلب النجاح في عملية إدارة الأوراق.
موقفاً إيجابياً.
وقتاً كافيا.
مهارات مناسبة.
استمرارية.
ولو ضعفت أو فقدت أي جزئية في هذا النظام، سوف يتداعى النظام ويسقط، وعندما يتعثر النظام فإن هذا في الغالب مؤشر على أن أحوال الشخص تغيرت، وليس لأن النظام سيئ، إذ ربما ازدادت كمية الورق، أو فترة الحماس للنظام، أو أعيدت صياغة الأهداف.
إن التفكير الإيجابي بالنسبة لموضوع إدارة الأوراق هو مطلب أساسي؛ إذ من المهم أن تعتقد أنك ستكون قادراً على إعداد نظام يناسب احتياجاتك الخاصة.
إن من أكثر الأشياء إثارة بالنسبة إلى المستشار التنظيمي مساعدة الناس على تصميم نظام يطابق احتياجاتهم الخاصة، وكذلك رؤية علامات الارتياح بادية عليهم عندما يدركون كيف أصبحت حياتهم أكثر سهولة من خلال التنظيم، وغالباً ما يتباطأ الناس عن عمل أي شيء حيال الأوراق في حياتهم لأنهم ينتظرون أن يعثروا على (الطريقة المثلى).
ليست هناك طريقة صحيحة وأخرى خاطئة، لذا يجب عليك ألا تقلق بشأن الطريقة التي ينظم بها الآخرون أوراقهم، أبحث فقط عن الأساليب التي تناسبك وحدك!
ولكي تستطيع تنمية شعورك بالإيجابية بالنسبة لموضوع إدارة الأوراق، يجب أن تدرك أن أي نظام تصممه ما هو إلا أداة تساعدك على عمل ما تريد - أو تحتاج إلى - عمله قال أحد الأصدقاء: (إنني أكره الجري، ولكنني أتمنى أن أكون قد جريت).
إن التعامل مع الأوراق يشبه هذا القول تماماً من نواح عديدة؛ إذ إن قليلاً من الناس يرغب التعامل مع الأوراق، غير أن قضاء بعض الوقت في تصميم نظام يعني في النهاية تقليل الوقت الذي يقضى في غربلة الأوراق، وبالتالي سوف تستمتع بالنتائج؛ أي أنك باختصار سوف تستطيع أن تروض نمرك الورقي.
كم مرة قلت لنفسك (سوف أبدأ في تنظيم الأوراق عندما تهدأ الأمور، أو عندما يعود الأولاد للمدرسة، أو عندما تنتهي الدراسة، أو عندما يغادر الضيوف، أو عندما أعود من رحلة العمل، أو عندما أنهي ترميم المنزل)، أو قلت (سوف أبدأ عندما يتوافر لدي وقت - ربما في عطلة نهاية الأسبوع المقبلة، أو عندما أتقاعد.. مستقبلاً).
غير أن نهاية الأسبوع والإجازات والعطلات تأتي وتذهب، وكلما انتهت ورطة خاصة بالأوراق (وأحياناً قبل أن تنتهي)، تبدأ ورطة أخرى، وهكذا تستمر الحلقة المفرغة، وقبل أن تتدارك الأمور، سيكون لديك مكتب مليء بالخطابات.
هناك حقيقة مسلمة في مجال الأوراق، هي: أن تكدس الأوراق هو عبارة عن تأجيل القرارات، بينما إدارة الأوراق تعني اتخاذ القرارات.
تتراكم الأوراق على الطاولات والمكاتب لأن هناك قرارات يجب أن نتخذها حيال هذه الأوراق. (هل يتعين علي أن أحفظ هذه الرسالة التي تخص تركة والدي؟ وإلى متى يجب أن أحتفظ بأوراق كشف الحساب الذي أغلقته قبل ثلاث سنوات؟ وأين ينبغي أن أضع وصيتي؟ وماذا أفعل بكل هذه الصور الخاصة بالعائلة لكي أحافظ عليها؟ وكيف أجد طريقة الطبخ التي رأيتها في مجلة الطبخ إذا احتجت إليها؟ وماذا أفعل بأوراق التأمين؟ وأين أضع التعليمات الخاصة بمفتاح الباب الأوتوماتيكي الجديد؟).
كل مرة تسأل أياً من الأسئلة السابقة دون أن تتخذ قراراً - أي جواباً - وبالتالي تتخذ الخطوات المناسبة، فإنك ستكون قد تركت بعض الأمور معلقة، وكلما أجلت بعض القرارات، فسوف يظهر لديك كوم أوراق جديد!!؟؟
- المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية