الفساد كلمة مكروهة حتى عند الذين يزاولون الفساد، ومحاربة الفساد واجب على كل فرد.
ولكن الكثير من الناس يتجاهلون ماهية الفساد، وربما كيفوه على كيفهم، وحسبوه على قدر مرادهم ورغباتهم وشهواتهم.. فالفساد يكاد يكون جزءاً منا ومكملاً لنا، فالمسؤول الذي لا يستغل الفرص يُعد غبياً لا يعرف مصلحة نفسه، فنزاهته تعد ضعفاً وجبناً.
المدير مسؤول عن إدارته بمتابعة الموظفين ولا يوقع شيئاً حتى يتحقق مصداقيته، وإذا أتاه من ينبهه على فساد في إدارته ثم لا يحرك ساكناً فهذا فساد، وحين تنشر الصحف صورة أسرة مشردة لا سكن لها ثم لا يحرك من بيده الحل ساكناً فهذا فساد على مستوى رفيع، وحين تنشر صورة مواطن مريض وصاحب عائلة ولا يحرك من بيده الحل ساكناً فهذا فساد في المسؤول، وحين تنشر الصحف صورة شخص ظلم في ملكه وتم التعدي عليه ثم لا يحرك من بيده الحل ساكناً فهذا فساد من المسؤول والوجيه، والعالم الذي يعلم ظروف المحتاجين ثم لا يوصل حاجتهم إلى من بيده الحل فهذا فساد في الوجيه وفي هذا العالم. كان الناس في السابق يفرون إلى الوجهاء وإلى العلماء، وهؤلاء بدورهم يوصلون حاجات الناس ويشفعون لهم، وربما وقعت مظلمة على أحد الناس، وربما حكم عليه ظلماً وجوراً فيفزع الوجيه والعالم إلى من بيده الحل ليظهر الحقيقة فتزول المظلمة وتنكشف الغمة، وإذا كتب مواطن لجهة فإن المسؤول الذي بيده الحل يتصل بالكاتب، ويتأكد بنفسه، ثم يعالج القضية، وإذا انتقدت أي جهة فإن عليها أن ترد على الكاتب بمصداقية؛ لأنها تعرف أن هناك من سيحاسبها إن غيرت الحقيقة، ولكن الذي نراه أن كل الذين عرضوا مشاكلهم في الصحف لم تجد صدى ولا جواباً ولا تفاعلاً، وما سمعنا بأن التاجر الفلاني أو الوجيه الفلاني اتصل بالصحيفة وأبدى استعداده لحل مشكلة صاحب المشكلة، ولو قيل لهذا التاجر هناك أسرة بحاجة إلى مسكن بسيط أو غذاء أو علاج لصرف وجهه، لكنه مستعدٌ لأن يبني عشرين مسجداً في أمكنة بارزة ويكتب اسمه عليها، ولا يبني سكناً للإمام والمؤذن، وهذا فساد في التاجر.
هذا، والله من وراء القصد.