لطالما كانت الكلمة مسؤولية وإن كانت مصادرتها مسؤولية أخطر وأكبر فلا يمكن أن نتحدث عن حرية التعبير ونتجاوز أنها مجرد مساحة من القواعد القانونية والأخلاقية والسياسية، وقد كتب فيكتور هوغو عام 1868 في هذا الشأن، عبارة قد تكون هي التعبير الأنسب عن وضع كل متحدث سواء داخل الفضاء الإعلامي أو خارجه، فقال (ألا ترى أنك على ميزان، في كفة منه قوتك، وفي الكفة الأخرى مسؤوليتك، وأن ارتجاج هذا الميزان هو تعبير عن رجفة الوعي). إن تأثير ونفوذ الإعلام أمر واقع مقرون بوجوده، فلا يمكن للمرء أن يهرب من نفوذ الإعلام، إذ هنالك القليل فقط من الناس ممن لا يقرؤون الجريدة أو يسمعون الراديو أو يشاهدون التلفاز، فالإعلام له حضور دائم، وكلما ازددنا سماعاً ورؤية له كلما ازدادت نفوذه وسيطرته علينا، ولقد ساهم الإعلام طوال القرن الماضي -بما في ذلك منابر المساجد- في تشكيل وجدان الفرد العربي، حتى وصلت المجتمعات العربية لما هو عليها الآن من احتقانات طائفية وقبليات وعنصريات مقيتة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا:
هل يمكننا قبول فكرة تحرر الخطاب الفكري والسياسي من الترهيب والترغيب؟ والبدء بمنهجية حرة تعتمد على بلاغة جديدة يحركها المنطق العقلي ودقة التعبير والاهتمام بقدرة اللغة على نقل متغيرات الواقع دون تزييف أو تحوير، هل بالإمكان الحديث عن إعلام حر يرتقي بوعي الشعب وتفكيره ويمنحه فرصة للتحرر من أغلال الحكام ومقدسات رجال الدين ورغبات الغوغائيين؟.
إن الفكر من أثمن مواهب الإنسان، وأعظمها أثراً في محيطه، وانطلاقه دليل حضارة وسبيل علم، وحريته تعني الإبداع، وفي قمعه والحجر عليه قتل لمعاني الإنسانية من حيث إن الإنسان كائن يتميز عن غيره بالعقل الذي من طبعه البحث والنقد للأحداث لا بوصفها مرجعية مقدسة بل بوصفها معطيات ومواد قابلة للدرس والتحليل العقلي المسؤول عن الحقيقة.