معلوم في الشريعة الإسلامية، وفي القوانين الوضعية، أنه بقدر الحقوق تكون الواجبات، وبقدر المسؤولية تكون المهمات، ولذلك نجد أنه كلما عظمت مكانة الشخص واستحق حقوقاً كثيرة، كانت الواجبات المطلوبة منه أيضاً عظيمة، والمسؤوليات الملقاة على عاتقه جسيمة.
فرب الأسرة، له مكانة كبيرة في الأسرة، وله حق الطاعة بالمعروف، لكن المسؤوليات الملقاة على عاتقه عظيمة جداً، فهو مسؤول عنها أمام الله - عزَّ وجلَّ - فهو الذي ينفق على هذه الأسرة، وهو الذي يتعب لترتاح الأسرة، ويجوع ليشبع الأبناء، ويعرى ليكتسي الأولاد، ويدافع عنهم، ويحوطهم بالعناية والرعاية، والعطف، والحنان، ويؤثرهم على نفسه في كل شيء.
هذا هو مفهوم القوامة الصحيح، ومدلول الولاية الحق.
لكن - مع كل الأسف - يفهم بعض الرجال القوامة والولاية على أنها تسلط على من ولاهم الله أمرهم، من الزوجات، والأبناء، والبنات، والأطفال، والخدم، والسيطرة عليهم، وإذاقتهم أنواعاً من العذاب النفسي بالإهانة، والشتم، والازدراء، وألواناً من العذاب الجسدي بالضرب المبرح، وحرمانهم من الحقوق الضرورية، من مصروفهم، وعلاجهم، ومأكلهم، وتعليمهم، بل قد يصل الأمر ببعض المنحرفين إلى تصرفات لا تكاد تخطر ببال، والاعتداء على الضعفة ممن هم تحت ولايته، ومسؤوليته أمام الله.
ولا يخفى أن ممارسة العنف من رب الأسرة على الزوجة والأطفال من الأبناء والبنات، يؤدي إلى أضرار جسيمة نفسية، وإلحاق أذى كبير جسدي، بالأشخاص المعنفين، فينشأون نشأة غير سوية، ويتربون تربية سيئة، فهم إما أن يكونوا ضعفاء أذلاء يتقبلون الإهانة والذل في قابل أيامهم، وإما أن ينشأوا منحرفين يمارسون الجرائم والعنف، وينتقمون من المجتمع، إضافة إلى التفكك الأسري الذي تعاني منه كثير من الدول، وتسعى إلى معالجته، لما يترتب عليه من تفكك وحدة المجتمع بعامة، وضعف اللحمة الوطنية.
وإذا نظرنا إلى الأسباب التي أدت إلى بدء تفشي هذه الظاهرة السيئة، نجد أن في مقدمتها ضعف الوازع الديني، وعدم خشية الله - تعالى - ومراقبته، والجهل الكبير بما يجب على رب الأسرة أن يقوم به تجاه أسرته، وأنه راع ومسؤول عن رعيته أمام الله عز وجل، كما أن من أسبابها ونتائجها معاً، تعاطي المخدرات بأنواعها، مما يفقد المرء عقله، واتزانه، وإذا فقد الإنسان عقله ارتكب كل الفواحش والرذائل، يضاف إلى ذلك ما تبثه بعض القنوات الفضائية من أفلام العنف، والانحلال الخلقي، وغير ذلك، مما أدى إلى تساهل بعض الناس في ارتكاب هذه الجرائم.
ونظرا إلى المخاطر الكبيرة التي تترتب على ظاهرة العنف الأسري بخاصة، والعنف ضد الضعفاء بعامة، من آثار سيئة، وأضرار بالغة، على الفرد والأسرة، والمجتمع، فإن الجميع مسؤول عن تطويق هذه الظاهرة، ومعالجتها قبل أن تستفحل: كل بحسبه، المدرسة، والمدرسون، الجامعة والأساتذة، المساجد والجوامع، وأئمتها، ودعاتها، وخطباؤها، المحاكم، وقضاتها.
الجميع مسؤولون ومطالبون بتبصير الناس، وتوعيتهم بمخاطر هذه الظاهرة، وبيان فوائد الترابط الأسري، وقوة أواصر المودة والرحمة بين أفراد المجتمع، والله من وراء القصد،،
alomari1420@yahoo.com