الرياض - خاص بـ«االجزيرة»
حذَّر فضيلة الشيخ الداعية عايض بن محمد العصيمي معبر الرؤى ومفسر الأحلام «المعروف» من المرتزقين باسم الرؤيا وممن يتاجرون ويتكسبون بها. مؤكداً أن هناك من يصيبون الناس بالهلع والفزع ومن تسببوا في هدم البيوت وتفكك أسر، ومن دخلوا ساحة تعبير الرؤيا لكسب المال والتجارة، مشيراً إلى أن ما يقرر في المنامات ليس حكماً شرعياً، وأن للرؤيا الصالحة آداب وللمكروهة آداب.
وطالب باللجوء إلى المعبرين الموثوقين الذين يتقون الله. جاء ذلك في حوار مع الشيخ عايض العصيمي الذي يعد من أفضل من كتب عن الرؤى والأحلام، وذلك من خلال كتابه المعنون «خلاصة الكلام في الرؤى والأحلام».. وفيما يلي نص الحوار:
كلمات بذيئة وعبارات غير لائقة تخرج من بعض المعبرين في القنوات الفضائية، كيف تراها وكيف ترى واقع المعبرين الآن؟
- نعم كلمات صعبة جداً، خذ مثلاً منها: (أنتِ فاسقة.. أنتِ زانية.. لستِ أختي يا فاسقة.. أسألك بالله العلي العظيم أنتِ رأيتِ هذه الرؤيا.. أنتِ كاذبة.. واضحة أن رؤياك مركبة مكذوبة).. نعم هذه كلمات نارية أخرجها بعض المعبرين لمتصلة تسأل عن رؤيا رأتها أو تزعم أنها رأتها.. وآخر: يروي قصة وعظية يتأثر من أجلها مستمعيه ومريديه لزانية تتصل به فترى عجباً بوعظ ممجوج ممقوت (وما في صحيح القرآن والسنة أفضل وأحسن).. وثالث: يعبر ويحلل المباريات النهائية ويحسم الأمر ليصرح عبر وسائل الإعلام أن الفوز للفريق الفلاني.. وعاشر: يعلن اعتزاله إن أخطأ في تعبيره.. وآخر يتخرص بموت فلان وفلان.. وبسقوط دولة وزوال ظالم.. وهكذا كل له طيفه في التعبير والتفسير.
لماذا كثر تهافت الناس اليوم على معبري الرؤى؟
- في زمننا الحاضر كثرة النعم والخيرات، فكثر أكل الناس وشربهم ونومهم، وكثر تهافت العوام والسواد الأعظم من الناس على المعبرين والمرتزقين عبر القنوات الفضائية بحثاً عن كشف المستقبل والخير المرتقب، والشر المنصرف، على بصيص الأمل المرموق من تعبير رؤيا قد تصدق وقد لا تصدق.. كل هذا أجج وزاد المتابعين من الرجال والنساء عبر وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، ومع هذا يتم تناقل وتراشق مثل هذه المقاطع عبر الأجهزة الذكية وكأنه حق لا يقبل الرد وخبر لا يقبل التكذيب، فأصبحت -وللأسف- عقول البشر ميادين فسيحة يرتع ويمتع فيها المتخرصون المعريون الباحثون عن الشهرة والشهوة والمال.
* هل كل المعبرين على الساحة اليوم مؤهلون لتعبير الرؤى؟
- ليس كل من أدعى التعبير (معبراً) وإن برّقه الإعلام وأبرز نجمه وأظهره، فقد يكون ليس كذلك -للأسف- أقرب طريق للشهرة لا يحتاج لشهادة وتوثيق أو لثبوت صدق أن تكون مفسراً للأحلام أو راقياً على الناس!
* هل هذه السلبيات تنكر منزلة الرؤيا الشرعية؟
- لا ننكر الرؤيا ومنزلتها في الإسلام.. ونعلم أن للرؤيا الصالحة الطيبة آداب، وأن المكروهة منها لها آداب وأحكام وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم يعمل بها المسلم فتستريح نفسه وتطمئن، ويريح غيره كذلك.
* وما رأيكم فيمن رأى رؤيا وذهب يبحث عن المعبرين؟
- لا يقرر بالمنامات حكم شرعي أو تقرير مسألة شرعية.. تأمل عن حارثة بن مضرب أن رجلاً رأى رؤيا: من صلى الليلة في المسجد دخل الجنة، فخرج عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وهو يقول: (اخرجوا لا تغتروا فإنما هي نفخة شيطان)، ليس شرطاً أن تسأل عن منامك حتى وإن كان مزعجاً أو مخيفاً يؤرقك. فعن أبي سلمة قال: إن كنت لأرى الرؤيا تمرضني! فقلت أبا قتادة فقال: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا الصالحة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب، وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها ولا يحدث بها أحد فإنها لن تضره) رواه مسلم.
* التعبير عن الرؤيا ظني أم قطعي؟
- علينا أن نعلم جميعاً أن التعبير ظني وليس قطعياً، فالمعبر يصيب ويخطئ.. إذا كان أبو بكر الصديق أصاب وأخطأ في تعبيره في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال له عليه الصلاة والسلام: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً)، رواه البخاري. وعلى المفسر أن يتق الله فيما يقول ويجيب، وعليه أن يراقب الله في جوابه، وأن يكون ناصحاً موجهاً الناس للخير، داعياً للصلاح والإصلاح لا للفتنة وهدم البيوت وزرع الوهم والمرض في قلوب البشر.. أذكِّر كل معبر ومفسر بقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.
* بماذا تفسر كثرة المعبرين في الفضائيات والمجالس؟
- من شاهد وتأمل الجمع الغفير من المعبرين في القنوات والبرامج والمجالس يجد أنهم يجيبون عن كل سؤال، القليل منهم من إذا سئل عن منام أن يقول: (الله أعلم.. لم يظهر لي شيء.. لا أعرف) يستحي من عدم معرفة الجواب.. سبحان الله العظيم!! لنتأمل عن قرة بن خالد قال: (كنت أحضر ابن سيرين فيسأل عن الرؤيا فكنت أحرزه يعبر كل أربعين واحدة)، وكان يقول للسائل: (اتق الله وأحسن في اليقظة، فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم)، ويقول: (إنما أجيبه بالظن، والظن يخطئ ويصيب)، لكن معبر زماننا يقول للمتصلين وللعالم: الجواب كذا وهو الصحيح، وأحلف وأقسم على ذلك، وأعتزل التعبير إن كنت مخطئاً، ولا أعرف في التعبير شيء، وأتحداك وأتحدى أي واحد يعبر عكس تعبيري!! إذ إن جوابه لا يحتمل الظن والخطأ! فأي أدب هذا يتحلى به!!
* هل يصح للمسلم أن يتحدث عن نفسه؟
- لا ينبغي ولا يصح للمسلم أن يتحدث عن نفسه كثيراً ويردد عبارات الأنا.. فعلى المعبر أن لا يتحدث أمام الآخرين (أنا.. وقلت.. ولي.. وعندي.. وأرى.. والصحيح عندي.. وقولي.. ويأتيني من الاتصالات العدد الفلاني.. أنا لا أرد على الاتصالات.. هاتفي دائماً مشغول.. يأتيني رسائل كثيرة.. تكفى شيخ رد بكم هائل.. اضع السماعة في أذني.. جوالي يحترق من كثر الاتصالات.. أتمنى لا يتصل علي أحد ووو.. إلى غير ذلك من عبارات التفخيم واللباس الواسع).. الفائدة من هذا كله.. لا فائدة سوى العجب والغرور، فإن القلوب تمقت مثل هذا الأسلوب، وليس هذا منهج السلف، إذ لم يترب الواحد منهم على مثل هذا الذي يسقي النفس بمثل هذه العبارات لا نتاج لها إلا الغرور والعجب المنهي عنه كما ذكرنا.
* هناك من أخرج الفضائح وكشف العورات، كيف تردون على هؤلاء؟
- ربنا تبارك وتعالى يحب الستر، وديننا جاء لتقرير هذا المبدأ لا فضح الآخرين.. شاهدوا معبري زماننا.. كم أخرجوا من الفضائح.. وكم كشفوا من العورات.. وكم هدمت على أيديهم من بيوت: (أنتِ ساحرة.. زانية.. كاذبة.. فاجرة.. سحرتكم فلانة.. وفلانة تتكلم فيك.. وفلانة تحسدك.. وفلانة تخطط على إيذائك.. طلق زوجتك تخلى عنها لا خير فيها). كل هذا لا يصح وليس هذا من العقل والحكمة أن يقال مثل هذا الكلام وإن كان صحيحاً فالعقلاء لا ينطقون بمثل هذا لما سيقع من فتنة أعظم.. قال ابن القيم: (فالمفتي والمعبر والطبيب يطلعون على أسرار الناس وعوراتهم ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن).
* معنى ذلك أنكم لا تؤيدون تعبير الرؤى أمام الناس؟
- ليس كل رؤيا تعبر أمام الناس، هناك أجوبة لا يحسن ذكرها وإيضاحها أمام المشاهدين والمتابعين، ليس هذا من الأمانة والأدب والذوق والستر كما سبق.. البعض يصف هيئات النساء وأجسامهن.. ويذكر بعض العلاقات الحميمية وأسرار الناس.. قال ابن قتيبة: (وإن كانت الرؤيا تدل على فاحشة أو قبح سترت ذلك عليه، ورويت عنه بأحسن ما تقدر عليه من اللفظ أو أسررته إلى أصحابها). ونصيحتي لكل معبر أن يحترم متابعيه ومشاهديه ويحترم ذوقهم له.
* وهل ينبغي للمعبر التحقيق مع الرائي والسائل؟
- لا يصح أبداً التحقيق مع الرائي والسائل وكأنه في مجلس تحقيق: (الرؤيا لك.. أحلف بالله أنك رأيتها.. هل أنت كذا؟! هل أنتِ كذا؟! قل أو قولي الصدق.. لا تكذب).. كل هذا لا يقبله عاقل.. لا يصح للمعبر أن يحرج الناس ويضيق عليهم بكثرة الأسئلة.. ويهدر وقت الحلقة في ذلك (احلفي.. لا ما أحلف؟!)، نعم.. إن احتاج للسؤال الظاهر الواضح الذي يستفيد منه ولا يضر السائل فلا ضير في ذلك.. أما أن يعرى السائل أمام خلق الله فهذا منهج وطريقة خاطئة مجانبة للصواب وللحق.
وينبغي للمعبر تحمل السائلين وأن يسع صدره لهم مهما أكثروا عليه، وأن يعتذر منهم بطريقة لبقة طيبة بجواب يملؤه الحب والتقدير والاحترام، تشاهد من يصرخ ويرفع صوته في القنوات والبرامج على السائلين (قصر في الصوت.. ارفع صوتك.. لا.. رؤيا واحدة.. لا تكثر من الكلام.. انتهى وقتك مع السلامة.. لن أجيب عليك لأنك خالفت نظام وقانون البرنامج).. لن تسعوا الناس بأموالكم لكن تسعوهم بحسن الخلق، فسبحان من وزع الأخلاق بين خلقه.
* ما السر وراء تخفي بعض المعبرين خلف أسماء وهمية وألقاب مجهولة؟
- ما الفائدة من التستر خلف أسماء وهمية، وألقاب مجهولة بشيخ يفسر الرؤى والأحلام (أبو فلان وأبو فلان) أو أسماء مركبة غير صحيحة، إما في قنوات أو عبر توزيع رقمه بين الخلق فتجد الكم الهائل من هذه الأسماء المجهولة في أجهزة الجوال عند الكثير من النساء وحتى الرجال.. استغرب وأتعجب من رجل أو امرأة يتصل أو تتصل على شخص لا يعرف من هو؟! وما اسمه؟! هنا تكمن الخطورة؟! واللعب والدجل على خلق الله! وهؤلاء هم المندسون المفسدون على الصالحين من المعبرين والمفسرين، إذ إن العاقل يكون كالشمس ظهوراً للناس فيعرف من هو؟!
وأنني أتمنى من معبري زماننا أن يظهروا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآدابه في التعامل مع الرؤى والأحلام، ليستفيد الناس ولما في سنته عليه الصلاة والسلام من خير عظيم وتوجيه الناس للنيل والأخذ من المعين الصافي.. وليدعو الناس لله تعالى.. لا للنفس ولذات المعبر.
* وماذا عمن يستغلون العوام والبسطاء؟
- يجب علينا أن لا نستغل بصورة ساذجة لبعض البرامج الدعائية الرخيصة مضموناً الغالية ثمناً في التعبير.. فتجارة التعبير والرقية لا تقارن بتجارة.. امتلأت جيوبهم وافتقرت جيوب السائلين، علينا أن نعلم وأن نتيقن أن بعض البرامج وبعض الاتصالات فيها مركبة ومنسقة مع المعبر وبعضها مفتعلة للتشهير بالبرنامج أو المعبر. وبعض أرقام الاتصالات يستخدم إجابات القص واللصق للسائلين، تسهيلاً لهم للكم الهائل الذي يرسل من السائل أو السائلة.. حتى يتم إرسال الجواب لأكثر من شخص.. أو إرسال مكونات عشبة شعبية.. أو وصفة طيبة.. أو مكونات طبخة معينة.. كل هذا دجل واستغلال لعقولنا وجيوبنا بصورة سيئة فلتفطن لمثل هذا؟!
من طريف ما يذكر أن رجلاً بعث برؤيا.. فوصله الجواب: أنكِ حامل في الأشهر الأولى، كما أننا لن نستطيع محاربة أو إيقاف المناهج الخاطئة في التعبير والممارسات السيئة لكن نستطيع أن نثقف أنفسنا وأبنائنا وإخواننا وطلابنا ومجتمعنا في حسن التعامل مع الرؤى وحسن السؤال والجواب كذلك كما كان عليه الصلاة والسلام، وإضافة إلى أنه لا يجوز تعبير الرؤيا إلا لمن يعرف التعبير نصبح ونمسي وقد خرج أناس كثر لم يكن لهم باب في التعبير.. ففرزهم الناس والإعلام من كبار المعبرين خصوصاً صغر السن، لذا قال الإمام مالك لما سئل أيعبر الرؤى كل أحد؟! قال: أبالنبوة يلعب؟! وهي فتوى لا يجوز الإقدام عليها من قبل جاهل بها.. فهي فتوى قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ}.
* معنى ذلك ألا يسأل الناس المعبرين؟
- لا ننفي وجود المعبرين الثقات المصلحين المحسنين الذين نفع الله بهم العباد وطرحهم هو الطرح الشرعي، فمثل هؤلاء هم الذين يسألون؟! وهم من يؤخذ جوابهم، كما أنه لا يصح أبداً محاربة هذا الباب (باب التعبير والتفسير) جملة وتفصيلاً، مع نصيحتي لطلاب العلم والشيوخ والمثقفين وأصحاب الأقلام والمربين الفضلاء توجيه الناس والتوسط في التعامل مع الرؤى، لا نقفل هذا الباب جملة ولا يفتح جملة على مصراعيه فالتوسط مطلب للجميع وهو الصواب.
* أخيراً.. متى نحسن التعامل مع مناماتنا؟
- هو سؤال يحتاج لجواب كل واحد منا: متى نحسن التعامل مع مناماتنا؟! ومتى نحسن اختيار من نسأل؟! ومتى نحسن الجواب للسائلين؟! ومتى نحسن التوازن في التعامل مع هذا الفن المستغل؟! عندما نحسن حالنا في اليقظة ونحسن التعامل منامتنا في يقظتنا.