في معظم دول العالم يعتبر مؤشر أو معدل البطالة فيها من أهم وأبرز المؤشرات التي تقود إلى رفاهية المجتمع، وراحته، واستقراره، وفي معظم هذه الدول نجد أن المعدل واضح ودقيق، ومعلن للجميع، وليس هناك جدال بين مؤسسات هذه الدول حول دقة هذا الرقم أو ذاك، إلا عندنا يعتبر رقم البطالة قضية القضايا، وليت الجهات تتجادل في كيفية إنقاص هذا المعدل من عام لآخر، وتقديم البرامج المتميزة، بدلاً من الجدل البيزنطي حول أي الأرقام أكثر دقة، هل هو رقم وزارة العمل، أم وزارة الاقتصاد والتخطيط، أم المؤسسة العامة للنقد، أم غير هذه الجهات كلها؟
يحزنني أن يتجادل المختصون حول الرقم الصحيح، فهم مثل من يتجادل حول رجل تعرَّض إلى حادث مميت، وبينما هو ينتظر الإنقاذ في الشارع، يتجادل المتجمهرون حوله عن هويته، أو من الذي دهسه، أو هل كان يلبس ساعة يد حينما سقط أرضاً، وجاء من سلبها أم لا؟ الأمر يتطلب التدخل لإنقاذ حياته أولاً، وهكذا الأمر بالنسبة للبطالة، لا نريد أن نعرف هل البطالة هي ستمائة ألف، أم مليون عاطل، أو حتى ثلث الشعب عاطل، ولكن ما يهم هو اقتراح وتنفيذ حلول عاجلة للقضاء على البطالة، أو على الأقل لكبح جماح المعدل الذي يتصاعد من عام لآخر، لسبب بسيط، وهو أن هناك المزيد من الخريجين والخريجات من جامعات البلاد، في مقابل توظيف أعداد قليلة منهم، وممن سبقهم إلى التخرّج، فأصبح تراكم هؤلاء الجامعيين لا يخفى على أحد، والدليل، وبعيداً عن أرقام العمل ومؤسسة النقد والتخطيط، النظر فيما حولنا من الأقارب، وحصر العاطلين في بيوتهم، لنجد أن المعدل يعتبر عالياً، خاصة إذا تعاملنا مع العاطلين والعاطلات بصيغة المواطن فحسب، بعيداً عن التجنيس الفئوي، لأن حق العمل للمواطن مكفول للجميع، رجالاً ونساءً.
ومن يريد من الموظفين، موظفي الدولة على سبيل المثال، أن يعرف حجم الكارثة، ينظر في جهته، كي يكتشف أن استحداث وظائف جديدة بات أمراً خارقاً، حيث ما زلت معظم الوزارات والمؤسسات بأعداد موظفيها قبل عشرين عاماً، ما عدا الوزارات الخدمية كالتعليم والصحة، وما يحدث في معظم الوزارات هو مجرد إحلال موظفين جدد مكان آخرين تمت إحالتهم على التقاعد، بمعنى أن ميزانيات هذه الوزارات المتنوّعة، لو زادت من عام لآخر، فهي تزداد في أبواب المشروعات الحكومية، أما الوظائف المدنية فهي تنمو بشكل بطيء جداً، لا يقارن أبداً بمستوى تسارع أعداد الخريجين من الجامعات والمعاهد.
أما القطاع الآخر، وأعني به القطاع الخاص، فهو ما زال يعبث خارج سطوة القانون، وما زالت الأنظمة المستحدثة يتم التحايل عليها بمختلف الطرق، وما زالت معظم الشركات الكبرى، وعلى رأسها البنوك، دون مستوى التوقعات، والدور المأمول منها في توظيف السعوديين.
نحن يا سادة يا كرام، نتمنى أن يكون تنافسكم وجدالكم، ليس عن الجهة المخولة بالتصريح بمعدل البطالة، بل بالحلول المقترحة، والبرامج المنفذة بنجاح، التي تقلّل من تزايد معدل البطالة في البلاد.