هناك أمور لا تقبل أنصاف الحلول، فهي رقم واحد صحيح وصعب، ولذا لا مجال فيها للأخذ والرد على إطلاق دون مسؤولية مباشرة ومساءلة حقيقية للقائل والفاعل، وبلا تغذية راجعة من قبل المخطط والمنفذ والناقد!! كما أنه ليس فيها محاباة أو مجاملة لأحد مهما كان، ولا هي أمر شخصي يمكن للمسؤول المباشر عنها التنازل أو التسامح فيها، فهي حق للجميع الصغير مثل الكبير والذكر كالأنثى، وكل مطالب -حسب موقعه في خارطة الوطن- القيام بما هو واجب في حقه إزاءها وبكل مصداقية وشفافية وإخلاص..
وإذا عدت هذه الأمور المشار إلى مواصفاتها أعلاه فإن على رأسها ويتربع في صدارة قائمتها “الأمن المجتمعي” بدلالته العامة..
ومع تنوع مهددات الوطن ومنغصات وحدته “الداخلي منها والخارجي” إلا أن المهدد الفكري السياسي هو الأخطر والأكثر فتكاً والأسرع أثراً، ذلك أن كل ما يمكن وضعه في خندق المهددات ينبني ويتأسس على ما يستقر في الذهن من قناعات فكرية مررت يوماً ما بطريقة أو آخر فوجدت لها مكاناً في عقل هذا الشاب أو ذاك، وكان من جراء ذلك أن صار متلبساً بها ويبحث عمّا يسندها ويعزز قناعته فيها من أدلة شرعية “نصوص ظنية أو حتى قطعية” وأقوال وقصص حقيقية أو حتى أنها من نسج الخيال، وما يبرر لها من معطيات الواقع وكتابات وتغريدات الموقعين أدناه خاصة العلماء وأهل الرأي والفكر وأصحاب القلم الأخاذ وسدنة الكلمة الحرة البديعة!!
ونظراً للظرف التاريخي الصعب الذي يمر بها عالمنا المعاصر والعربي منه على وجه الخصوص، واستناداً إلى ما أقره الفقهاء سواء في باب سد الذرائع أو تقديم المصلحة العامة على الخاصة أو من باب تفضيل خيري الخيرين أو الأخذ بأقل الشرين أو...، لهذا وذاك فإنني أعتقد وبرؤية شخصية متجردة أن نأخذ بالنهج النبوي الكريم في وجوب مراعاة موافقة الزمان ومناسبة الحال فيما يكتب ويقال في شأننا السياسي - الأمني، خاصة وأن من الملفات التي يتحدث عنها بعض المنتظمين في طابور الإصلاح الوطني المنشود ما يمكن تأجيل النظر فيه حتى تهدأ العاصفة، وملفات أخرى هي لدى “ القضاء” -السلطة الثالثة- ذات الاستقلال المطلق في الشرائع الربانية والدساتير الدولية، وثالثة ملتبسة ومتلبسة ومتقاطعة مع محاضر ومصالح عربية ودولية تحتاج إلى ترو وبصيرة، ورابعة هي تحت النظر والدراسة من قبل أصحاب الاختصاص والدراية، وخامسة يمكن الحوار حولها في لقاءات ثنائية بعيداً عن الضجيج الإعلامي والضغط المجتمعي الذي له سيكولوجيته الخاصة وهويته الجمعية التي قد يغيرها البريق ويخدعها السراب وتضر بها الشعارات، وربما سيقت إلى حتفها يوماً ما وهي لا تعلم!!
إن على العلماء الربانيين المخلصين والصادقين في رسم معالم خارطة الإصلاح الوطني، العارفين بالدهاليز السياسية، القارئين لأحداث التاريخ القديم منه والمعاصرين، السابرين أغوار واقعنا المعاش هذه الأيام، إن عليهم مسؤولية مباشرة في المناصحة سراً وبذل الجهد في إيصال الصوت الصادق لولي الأمر ومتخذ القرار بكل تفاصيله وبجميع أوجاعه وتجاعيده، كما أنني أعتقد أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني قد ذهب بعيداً عن الدور المناط به لحظة الميلاد وترك أول أهدافه وأهمها على الإطلاق دون سبر لأغواره وتحليل لأطرافه وجمع لشتاته، والمأمول في نظري أن يعود الطرح الفكري في القضايا الوطنية المصيرية إلى طاولة المركز من جديد، كما هو الحال في اللقاء الوطني الثاني الذي كان بحق حواراً في قضية مفصلية فكرية - سياسية - وذات بعد مجتمعي - أمني خطير، ودعي له واستقطب من أجل مدارستها والنقاش حولها مفكرين ومثقفين وأصحاب رؤى وطنية متباينة ومتقاطعة.
إنني في الوقت الذي أذكر فيه بكل إعزاز وإجلال وشكر وتقدير جهود وزارة الداخلية في تحقيق الأمن الوطني - الداخلي، أتوخى في غضون الأيام القليلة القادمة قيام مركز الحوار الوطني بدور فعال وسريع إزاء قضايانا المفصلية التي صارت وقوداً للكتابة والتغريد، كما إنني أتمنى لمبدعي الحرف وصناع الكلمة ألا يكونوا “ذريين”!! في زمن الفتن، فربما كانت الكلمة اليوم أقوى بكثير في فاعليتها واختراقها لصف الوحدة الوطنية من رصاص العدو الحاقد الفتاك.
إن هذا الكلام لا يعني أنني أنضم إلى خندق المطالبين بتكميم الأفواه ولا المنتمين لأحادية الفكر ورفض الاختلاف ولكنني أنشد الخلوص وتحت مظلة مركز الحوار الوطني المتخصص إلى رؤية شاملة ومتكاملة في شأننا الأمني - السياسي الداخلي منه والخارجي، تضاف لجهود مقام وزارة الداخلية الموقر، وتضمن هذه الرؤية الإصلاحية الواعية والواعدة بعون الله وتوفيقه تقليل مساحة الفجوة بين مفكري الوطن وقادته وكبار مسؤوليه، كما أنها تعزز اتساق النسق الأمني - السياسي العام أمام عامة الناس والجماهير بعيداً عن التجيش والتسييس والاتهام والمساومة على الوطنية والمواطنة، ودون الدخول في التفاصيل ذات البعد التخصصي وبلا مواربة أو مجاملة أو تكتم، كل ذلك بحثاً عن الحلول الناجزة والحقيقة لمشاكلنا المفصلية ورغبة في استمرار لحمتنا الوطنية آمنة مطمئنة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي ظل قيادتنا الحكيمة والراشدة والسخية، دمتم ومن تحبون بخير ودام عزك يا وطني وإلى لقاء والسلام.