|
لقد حظيت بالقرب من هذه الشخصية الفذّة في فتراتٍ متفاوتة... مما أتاح لي أن أتعرف على بعضٍ من مناقب صاحبها أو جزءٍ منها وإن كنت أجزم أن مناقب سموه متعددة الأطراف والأبعاد... ولم أحظَ بالبقاء في كنف سموه لأتعرف على بقية مناقبه... إلا أنني وددت التنويه بتلك التي عاصرتها لهذا الطود الشامخ والأمير المبجل:
1 - رجل الوفاء:
أ- عندما تمرض زوجة أي رجلٍ منّا نبعث بها إلى الطبيب إذا كانت علّتها نزلة شعبية أو زكاماً أو ما شابه ذلك... أمّا إن كان الأمر أكثر ضراوة نصاحب زوجاتنا إلى الأطباء... وإذا ما احتاجت إلى السفر إلى خارج المملكة يرافقها حينئذٍ ابنها أو ابنتها... إلا أن سلمان الوفاء لم يكتف بأن يكون مرافقاً لعقيلته إلى حين وصولها إلى المستشفى (حيث إن معظم الناس يقيمون في فنادق قريبة من المستشفى ليتسنى لهم زيارة مرضاهم ما بين الفينة والأخرى...) بل أصّر على البقاء في غرفة بجوار غرفة عقيلته ليكون بجوارها ويشد من أزرها ويسهر على راحتها.
ب- شاهدت بنفسي رقة مشاعره وحنانه وحلمه واهتمامه حينما رقد المغفور له بإذن الله تعالى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض... حيث حرص سمو الأمير سلمان على أن يلازم غرفة خادم الحرمين الشريفين طيلة فترة مكوثه بالمستشفى... وكنّا حينما نجتمع كفريق طبي يشرف على علاج خادم الحرمين الشريفين - يرحمه الله - يأتي إلينا سموه ليناقشنا من منطلق حرصه على الوضع الصحي للمليك وليس للتدخل في الأمور الطبية... بل كان سموه له دور كبير في إقناع وتوضيح بعض الإجراءات الطبية لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز « رحمه الله «.
ج- كلنا نتذكر والألم يعصرنا سفر سموه مع المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- حيث رافقه وبقي إلى جانبه يسهر على راحة سموه ويتابع علاجه بكل دقة واهتمام... وكلنا شاهدناه بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية وقد كان حزيناً مكلوماً لوفاة شقيقه الأكبر منه... وكان يجسد بذلك مشاعر كل سعودي.
د- قد يجادل امرؤ ما بأن هؤلاء ينتسبون إلى عائلة واحدة فمن الطبيعي أن يقوم سموه بذلك... فكيف إذا ما علم القوم أنه فاجأني يوماً بالسؤال عن أرملة قريب لي كان يعرف زوجها ناصحاً إياي بالاهتمام بها ورعاية مصالحها... أليس ذلك دليلاً على وفائه...؟.
2 - أسلوب إدارته العصرية:
أ- من المشهود لفارسنا أنه من أوائل أمراء المناطق الذين كانوا يباشرون عملهم صباح كل يوم في دار الإمارة... ولا أبالغ إن قلت إنه كان يأتي في بعض الأحيان قبل وصول المراجعين... فسموه يحرص كل الحرص أن يكون في مكتبه قبل أن يطرق باب مكتبه المراجعون... كنت أشاهده كيف يستمع بكل تركيز على كل كلمة يتفوه بها المراجع... وإذا ما اكتملت الصورة لدى سموه يتصل فوراً بأحد العاملين بمكتب سموه لاستكمال متطلبات هذه المعاملة أو تلك.
ب- صبيحة يوم دعاني سموه الكريم إلى مكتبه وحينما ذهبت إذا به يسألني: لماذا نقلت فلاناً من ديوان الوزارة إلى جهة تنظيمية فأخبرت سموه بأنه على وظيفة لا تتطابق مع مؤهلاته وبأننا رقيناه إلى درجة أعلى فاقتنع سموه بذلك الإجراء.
ج- استفسر سموه عن وضع طبيب مُعّين فاستأذنت سموه في أن أطلعه على ملف الطبيب وعرضته على أنظار سموه الكريم فتبسم مقتنعاً بما قامت به الوزارة من إجراءات.
كان سموه يبت فيما أمامه من معاملات دون كلل أو ملل... وإذا ما اقتنع بما هو مدوّن بهذه المعاملة أو تلك يوجه فوراً أحد العاملين بالمكتب لتنفيذ ذلك التوجيه.
كما أن سموه يتحلى بالجلد في المتابعة الدقيقة لكل معاملة وحرصه -يحفظه الله- على أن تستكمل في أقرب وقت ممكن.
د- كنت أشاهد سموه يتابع كل حالة على الهاتف ليس في مكتب سموه فحسب بل حتى في إحدى الوزارات كان رجل قرارات وتنفيذ... ولولا فضل الله سبحانه وتعالى ثم جهود سموه المباركة لما وصلت «رياضنا» الجميلة إلى ما وصلت إليه... لذلك فالأمير سلمان لم يكن أميراً للرياض فحسب... بل إن سموه عاشق الرياض وفارسها.
هـ- حينما رغبت وزارة الصحة بناء مكتب لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون الخليجي التمسنا من سموه الكريم أن يدعم مطلب الوزارة... فإذا به يتصل بالمسؤولين في الإمارة عن ذلك وتابع تنفيذ وتشييد المبنى وشرفني بحضور حفل افتتاح مبنى مكتب وزراء الصحة لدول مجلس تعاون الخليج العربي.
3 - احترامه لمشاعر الآخرين فكسب احترام وتقدير كل من حظي بالتعرف على بعضٍ
من خصاله:
أ- تشرفت بمرافقة سموه الكريم لافتتاح مركز زراعة الأعضاء... وقبل وصولنا لمقر الحفل طلب من السائق أن يهدئ من سرعة السيارة حتى يصل إلى مقر الحفل حسب الموعد المحدد في بطاقة الدعوة ولكي لا يربك القائمين على الحفل وحتى لا يؤخر المدعوين.
ب- حرص سموه كل الحرص أن يكون راعياً لحفل تكريم الوزراء الذين انتهت فتراتهم وذلك من باب الوفاء والتقدير لمواطنيه.
ج- من المعروف عن سموه ولعه بالقراءة لاسيما قبل النوم مع الهزيع الأول من الليل... وفي صبيحة أحد الأيام اتصل بي -يحفظه الله- مستفسراً عن شخص معين ذكر في كتاب نجاحات الصحراء... مما يشعر المرء منّا بالفخر والاعتزاز أن سلمان بن عبد العزيز اتصل به ليسأله عن أمر كهذا...
د- من المشهود لسموه إلمامه التام بالأنساب بين القبائل وكان بإمارة منطقة الرياض رجل بلغ التسعين إلا أنه كان يتحلى بذاكرة حاضرة دوماً يُعدّ أرشيفاً متنقلاً... إلا أن سلمان الحكيم ليشعر الرجل بأهميته كان يسأله ما بين الفينة والأخرى عن نسب إحدى القبائل وكنت واثقاً من أن سموه كان يعلم الإجابة...
4 - رجل البشائر:
أ- أثناء عملي عضواً في مجلس أمناء جمعية الأمير سلمان للمعاقين إبان فترة عملي وكيلاً لجامعة الملك عبد العزيز للدراسات العليا والبحث العلمي... ذهب أعضاء مجلس الأمناء للتشرف بالسلام على سموه وإذا به يستوقفني جانباً ثم يسألني هل أخبروك؟ فأجبت سموه بماذا؟... فتبسم... وبعد بضعة أيام صدر قرار تعييني مديراً لجامعة الملك عبد العزيز... فالبشارة كانت هنا من رجل البشائر.
ب- حينما أنيطت بي أعباء وزارة الصحة كان سموه -يحفظه الله- أول المهنئين وهذا دأبُهُ ليس معي فحسب بل مع كل وزير تناط به وزارة معينة.
5 - رجل الخير:
من خلال عملي السابق عضواً في مجلس أمناء جمعية الأمير سلمان للمعاقين تعرفت على مساهمات سموه الخيرية في تقديم العون / في علاج العديد من المرضى / وفي مركز زراعة الأعضاء / ومراكز غسيل الكلى وما من مشروع فيه خير للمواطن إلا ونجده فارساً في طليعة من ساهم في عمل الخيرات.
6 - رجل الدولة:
لم يكن الأمير سلمان حاكماً للرياض بل عاشقاً لكل مدن المملكة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها ولكل ما فيه الخير والفلاح لهذا الوطن ولم ينظر إليه قط على أنه أمير للرياض بل رأينا فيه رجل الدولة والسياسي المحنك والقارئ النهم والإنسان ذو الحس المرهف والأب الحنون والرجل الشهم رأينا فيه مثلاً أعلى يأمل كل إنسان أن يشتمل على بعضٍ من خصاله المتعددة...
عندما أتى إلى ألمانيا في زيارته الرسمية الميمونة... حتى المسؤولين الألمان كانوا يتعاملون معه بوصفه رجل دولة وليس أميراً للرياض... ولقد رأيت حرصه كل الحرص على الاستماع إلى كل مواطن سعودي قابله في ألمانيا وأثناء مكوثه في ألمانيا حظيت بأن أكون قريباً من هذا الطود الشامخ وجرى حديثٌ بيني وبينه عن إمارة المناطق وقلت له كم أتمنى أن نحظى في منطقة مكة المكرمة بأن تكون أميراً لها لما عهدته في سموه من حكمة وعدل وسرعة في الإنجاز... فإذا به يجيب بأنه يشرفه أن يكون أميراً لمنطقة مكة المكرمة إلا أن مسؤولياته العائلية وسهره على راحة أبنائه وعوائلهم تحتم بقاءه في الرياض فاحترمت مشاعره الأبوية واحترمت حنانه على أبنائه وأحفاده فسألني إن كنت أعتقد أنه حاكمٌ شديد فأجبته بنعم فسموه شديد في الحق رقيق مع الضعيف يحترم الكبير ويواسي الصغير يراعي مشاعر الناس ويحترم أحاسيسهم لذلك سلمان منا... ونحن من سلمان.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمتع سموه الكريم بالصحة والعافية والعون وأن يرزقه البطانة الصالحة التي تمكنه من تحقيق طموحات مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - يحفظه الله ويرعاه - وطموحات مقام سموه الكريم للارتقاء بالمملكة العربية السعودية إلى مصافٍ نتمنى جميعنا الوصول إليها ورفع راية التوحيد عالية خفاقة في ظل الأمن والأمان اللذين نحظى بهما في هذا الوطن المعطاء.
- سفير خادم الحرمين الشريفين بجمهورية ألمانيا