|
جدة - فهد المشهوري:
حذَّر المشاركون في منتدى جدة الاقتصادي أمس من تفاقم أزمة الإسكان بالمملكة خلال السنوات المقبلة في حال عدم التقدم بحلول عاجلة وواقعية، مطالبين في نفس الوقت بإنشاء مدن ذكية قادرة على مواجهة تحديات المستقبل وتلبية الاحتياجات الأساسية لمجتمع متغير.
واستنكر عضو اللجنة التنظيمية للمنتدى ورئيس مجلس الأمناء بجامعة الأعمال والتكنولوجيا الدكتور عبد الله صادق دحلان خلال الجلسات العلمية وجود أراضٍ كثيرة بيضاء حصل عليها البعض كمنح وتركوها خاوية بهدف الاستفادة من ارتفاع الأسعار، وشدد على وجود فجوة كبيرة بين العرض والطلب على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أسعار المساكن بصورة غير معقولة، مشيراً إلى أن الجهات التمويلية ومنها صندوق التنمية العقاري الذي أنشئ قبل (33) عاماً لم تُقدم الدعم الكافي حتى الآن.
ولفت دحلان إلى خطورة أزمة الإسكان خلال فعاليات منتدى جدة الاقتصادي الثالث عشر الذي دشّنه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة، وتختتم فعالياته اليوم (الاثنين) في جدة هيلتون، حيث أكد أن (37%) من السعوديين لا يملكون سكناً ويعيشون بالإيجار، في حين أن (30%) منهم يسكنون في مساكن غير لائقة التي تتضمن العشوائيات، وهي الأحياء التي تسعى الدولة لمعالجتها وإعادة تأهيلها، مشيراً إلى أن (67)% من سكان المملكة يبحثون عن سكن لائق.
وقال: إن سكان المملكة يحتاجون إلى (350) مليون متر مربع، والموجود لدينا في الوقت الحالي 280 مليون متر مربع.. وكشفت الدراسة أن الموجود نصفه يحتاج إلى تطوير.
ووفقاً للدراسة التي كشف عنها دحلان فإن (85%) من سكان المملكة يعيشون في المدن الرئيسة وتستحوذ مناطق مكة المكرمة والرياض والمنطقة الشرقية على نسبة 64,5% من السكان، وتُعتبر جدة أكثر مدن المملكة كثافة سكانية ويتصدر النمو السكاني العوامل المؤثرة في تحديد الاحتياجات المستقبلية من المساكن، حيث تُؤدي الزيادة في عدد السكان إلى زيادة الطلب على الوحدات السكنية وتزداد حدة مشكلة الحصول على المسكن الملائم في مناطق المملكة الكبرى الأكثر كثافة سكانية، وأكد أن الخصائص الديموغرافية للسكان السعوديين أظهرت أن 48,3% من إجمالي السكان السعوديين هم من الفئة العمرية تقع بين 15-44 سنة ونسبة الذكور السعوديين لنفس الفئة العمرية تبلغ 48,2% والإناث 48,4% لذات الفئة العمرية.
وقال: إن التركيبة السكانية للسكان السعوديين تشير إلى أن مشكلة السكن سوف تستمر للأجيال القادمة ومن ثم زيادة حدتها كنتيجة لتراكم الطلب على المساكن ما لم يتم تضييق فجوة الطلب والعرض الحالية على المساكن، وتُعد هذه المشكلة وبصفة خاصة لأصحاب الدخول المنخفضة من المشاكل التي تعاني منها كل الدول بغض النظر عن تقدمها أو درجة ثرائها، وبدأت المملكة تنتبه لتلك المشكلة منذ سبعينيات القرن الماضي وتم استخدام منح الأراضي السكنية وتقديم القروض العقارية طويلة الأجل بدون فوائد عن طريق صندوق التنمية العقارية كأدوات للتغلب على تلك المشكلة.
وأشار إلى أنه لدى المملكة أكبر سوق للعقارات في دول مجلس التعاون الخليجي ولكن في نفس الوقت أقل أسواق الرهن العقاري نمواً مما أدى إلى النقص في المساكن التي يملكها شاغلوها ولا سيما أولئك في الطرف الأدنى من سلم الدخل، مقدراً الرهن العقاري في المملكة بحوالي 2%، في حين أن أسواقاً مثل الإمارات العربية المتحدة لديها معدل يبلغ نحو 14%، وأقل بكثير من الأسواق الغربية الناضجة مثل المملكة المتحدة التي يبلغ الرهن العقاري فيها نحو 70%.
كما طالب المشاركون في الجلسة الثانية لمنتدى جدة الاقتصادي الثالث عشر أمس (الأحد) بإنشاء مدن ذكية قادرة على مواجهة تحديات المستقبل بهدف تلبية الاحتياجات الأساسية لمجتمع متغير، مشددين على أهمية تغيير بعض الثقافات الموجودة والتي تسببت في تعطيل النمو السكاني في بعض مدن الشرق الأوسط.
واستعرض مدير المخططين المعماريين والمهندسين بشركة (RSP) بسنغافورة الدكتور ليو تاي كير تجربة بلاده في تحقيق طفرة كبيرة في مجال الإسكان خلال الحديث عن (الأساس الاقتصادي لإنشاء مدن تنافسية) وقال: تعمدنا حساب الأراضي التي يمكن تطويرها، وكذلك احتياجات المواطنين من السكن، واستغرقنا (4) سنوات في دراسة كل المعطيات الموجودة قبل أن نضع الحلول الواقعية لتطوير بعض المدن، وكان علينا أن نحافظ على التراث فهناك مدن أُنشئت قبل آلاف السنوات، ولا بد أن نحافظ على شكلها التاريخي والتراثي. وأضاف: المدن تحتاج إلى محركات تحافظ على استدامتها، وتصميم المدن أشبه بتصميم السيارات، كلاهما يحتاج إلى أدوات كثيرة ومقومات أساسية من أجل تحقيق الاستدامة، كنا قلقين بشكل كبير على حياتنا في سنغافورة، ولكن العزم والتصميم والإرادة دفعنا إلى تحقيق الطفرة التي نعيشها اليوم، وكانت أهم الاعتبارات الرئيسة هي سلامة البيئة والتعليم الجيد والاقتصاد القوي، وهي أمور كلها مطلوبة لتحقيق المدينة الطيبة التي تستطيع أن يكون لها مكان في المستقبل.
وتابع: سنغافورة باتت من أفضل المدن الجاذبة للاستثمارات، والسنغافوريون من أعلى الشعوب سعادة في العالم، وقد اشتركت في تخطيط مدينة الملك عبد الله الاقتصادية منذ (6) سنوات مضت، وإذا حاولنا إقامة مدينة جيدة لا بد أن تكون هناك خطة، لا يمكن أن نخرج بطعام جيد من خلال المقومات الأساسية فقط لا بد من وجود طاهٍ جيد أيضاً.
وشدد على أن تخطيط المدن يختلف من مكان إلى آخر.. فعند مشاركتي في تصميم مدينة الملك عبد الله الاقتصادية وضعنا مجموعة من الاعتبارات الرئيسية أمام أعيننا منها تكامل الخدمات، حيث وضع أماكن محورية للمساجد وأماكن سكن العمال والصنّاع، إضافة إلى المنازل والقصور.
من جانبه، قال العضو المنتدب للبرامج الحضارية بالولايات المتحدة الأمريكية جوزيف دانكو: علينا أن نحدد الملامح الفريدة للمدن التنافسية من خلال تقوية نقاط القوة التي تجعلها تجذب الاستثمارات وتوفر آلاف الوظائف، وذلك عبر التصميم الحضاري الذكي وتحقيق الشراكة بين القطاع العام والخاص وأن يكون هناك إستراتيجية سكنية متكاملة وإجراءات ذكية تمكننا من تعزيز التجارة وتوفير احتياجات الذين يعيشون في هذه المدن، وتكون هناك محاسبة للجهاز التنفيذي وشفافية كاملة مع الشعب.
وأضاف: للأسف بعض الأغنياء في الولايات المتحدة كانوا يحاولون بناء الحواجز بينهم وبين الفقراء، وهي ثقافة تغيرت كثيراً في الفترة الأخيرة، لكن النظرة تغيرت كثيراً وبات الجميع يمكن أن يتشاركوا في الحي والمبنى الواحد، وهو الأمر الذي ساهم في تجربة الإسكان الميسر، الذي يجمع بين الجودة وتحقيق القدر الكافي من الحياة الكريمة للمواطن، لا سيما أن الحكومة هي التي تضطلع بهذا النوع من المشاريع، وأدركنا جميعاً أن الإسكان يجعل المدينة تحقق النجاح وليس العكس.
وتابع: في بناء المدن الجديدة لا بد أن نضع التكنولوجيا نصب أعيننا، ولا بد من المرونة والقدرة على التكيف، ومواكبة التطورات الحالية والاحتياجات المستقبلية، ولا شك أن إنشاء المدن الجديدة أسهل بكثير من تطوير مدينة موجودة بالفعل، فالمدن القائمة التي يوجد بها مناطق الضعف لا يمكن أن تزيلها بشكل نهائي، وتحديثها يستغرق الوقت والجهد وقد لا تخرج بنفس الجودة التي تكون عليها المدن الجديدة.
واعتذر وزير البيئة والتحضر في الجمهورية التركية أوردوغان البيرقدار عن المشاركة في الجلسة الأولى التي أدراها أد بيسمان رئيس العقارات في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا ممثل المستشار المعرفي أرنست ويونغ.