لم يقع حيف وظلم على موضوع أو أمر مثلما وقع على مادتي “التعبير” و”التَّربية الفنيَّة” في المرحلة الابتدائية للتعليم.. فرغم قدم هاتين المادتين ورسوخ جذورهما الضاربة في تاريخ التَّعليم النظامي في بلادنا إلا أنّهما هذه الأيام تعانيان من التهميش والتجاهل.. فهاتان المادتان الجميلتان بحاجة إلى عملية إنقاذ، أو إنعاش، لعلَّ الرُّوح تدبّ في أوردتهما لتعودا إلى المناهج الدراسية.
فيما يثبت قدم هاتين المادتين وتميزهما أنّه تَمَّ اعتمادهما كمنهجين مقررين في عهد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز -رحمه الله-، بل وقيل إنّه هو الذي اعتمدهما، وكانت نواة تبشر بخير، فقد وردت حول “التعبير” و”الفنيَّة” الكثير من الطرف والمواقف والشواهد التي تُؤكِّد على أهميتهما للنَّشء في مجال التَّعْبير عن الذات والمعاني والقيم ومحاكاتها من خلال الحديث عنها وشرح تفاصيلها، وكذلك الرسم والخطوط والألوان والابتكار الجمالي.
فقد جُلب آنذاك لهاتين المادتين شخصيتان معروفتان من مصر والشام لوضع أساس تربوي وتعليمي لهما، مما يؤكِّد أهمية التَّعليم في مجال التَّعْبير عن الذات من خلال الحديث والوصف والإنشاء، أو الرسم والمشاهد المعبّرة، ومع أن هذا المشروع الجميل قد ظلَّ صامدًا يقاوم رياح التغيير على مدى عقود إلا أنّه لم يذهب بعيدًا ولم يحقِّق أهدافه المرجوة منه.
وحينما تفتش عن الأسباب تجد أن هناك نوايا ما تحاك لِمَنْ يريد أن يتحدث أو يعبّر فكان الرفض في تلك المرحلة يأتي من الأسرة، إِذْ ينظر إلى التَّعْبير على أنّه خروج عن نمط ما عرف من أهمية الاستكانة أمام الكبير أو المعلم وربما شعروا خطلاً في تلك المادَّة أنّها قد تُجرِّأ الطُّلاب على الوقوف أمام معلميهم للتعبير عمَّا في داخلهم من رفض، أو شرح، أو بيان لموقف ما يستدعي التَّعْبير عنه.
وليس ببعيد عن هذا الأمر إلا أن يقف البعْض من المجتمع ممَّن يتصورون أنهم أوصياء على النَّاس حينما يغمزون في قناة مادة “التَّربية الفنيَّة” بأنّها ترسم الوجوه وتجسِّد البشر والمخلوقات، وهي غريبة آنذاك عن العادات التي لا تتجاوز أن تخط بعصاك على الرمل وأنت تحاذر أن ينهرك شخص ما من أَنّك تجسِّد أرواحًا في هذا العبث البسيط.
فقد درجت الحال على هذا المنوال حتَّى أيامنا هذه حينما باتت مادتي التَّعْبير والتَّربية الفنيَّة في وضع لا يحسد عليه من التهميش حتَّى أصبح الطُّلاب يعانون من قلّة معرفة قواعد الخطابة والحوار وضعف اللغة، كما أصبح الرسم والتلوين حالة نشاز ولا تكاد تضيف أيّ جديد.
أما في اليوم الدراسي فإنَّ هاتين المادتين باتتا من قبيل حصص تكميل العدد، أو النصاب، بل قيل أنّه قد تَمَّ إلغاؤها هذه الأيام في وقت يكون الطالب في أمس الحاجة إلى مثل هذه الموادّ التي ترفع من ذائقته وتؤسس لحياته المعرفية والثقافيَّة والتعليميَّة.
hrbda2000@hotmail.com