هواجس ضبابية:
- عالم اليوم ضبابي اللون, مرّ الطعم, رماديّ الإحساس.
- سماؤه ملبدة بأطياف القلق.. سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
- هواؤه ملوث بطفيليات المكر والنفاق وقدر من فساد الذمم وازدواجية القيم.
- أرضه مزنجرة بالنوائب والمحن والويلات.. وفي مقدمتها طاعون الإرهاب الذي يتخذ من المواقف والمواقع والحجج ألواناً.
* * *
- سياسياً, أعجب أشد العجب مما يفرزه المناخ الدولي من تناقضات لا يدرك مداها ذهن عاقل, ولا يسوغ غايتها عقل حكيم.. ولا يقر نتائجها وجدان حليم.
- فالعدو الصهيوني يدك معادلات السلم الهش في فلسطين أربعاً وعشرين ساعة في اليوم والليلة على رؤوس البشر العزّل من كل شيء سوى الإيمان بالله.. ثم بقضيتهم.
- وهو لا يفتأ يقتل الأطفال, ويشرد الشيوخ.. ويرمّل النساء, وحين (يتدخل) مجلس الأمن ناهياً أو ناهراً أو معترضاً, تسارع أمريكا إلى فأس (الفيتو) تحطم به كل مبادرة لمصلحة الإرهاب الصهيوني.
* * *
- وفي الوقت نفسه, يكتفي العالم بملاحم من الكلام المستهلك ترددها الحناجر والأقلام هنا وهناك.. إمّا اعتراضاً يشبه العتاب.. أو تنديداً يشبه الاحتجاج, أو احتجاجاً مفرغاً من الفعل.
* * *
من هو المثقف:
- المثقف كما أتصوره أو كما أتمناه ليس (دائرة معارف) له في كل واد شجر, وفي كل بستان ثمر, لكنه منظومة من الأفعال والأقوال تعرِّف به ويُعرفُ بها:
- فهو ذلك الذي إذا قرأ فَهِم,
- وإذا حدّث غيرَه, أفْهَمَ,
- وإذا حاورَ غيرَه أسمع واستمع,
- وإذا اختلف مع ذلك الغير أنْصت, ثم مارس الحريةَ المسؤولةَ في الرد عليه, بلا علوّ ولا غلوّ ولا أذى.
- أما إذا استمر اختلافُه في الرأي مع آخر, لم يحْملْ عليه جَهْراً, أو يضمر له شراً.
* * *
وبصورة أعم وأجلّ, أقول:
- إن التعايشَ الفكريَّ مع (الآخر)، واحدٌ من أهم مؤشرات النضج الثقافي في أيّ زمان أو مكان, غير أن الوصول إلى هذه المرحلة من النضج المؤطَّّر بثقة لا يهزها الاختلافُ, ولا تهزمُها تعدّدَيةُ الرأي - يتطلبُ إصلاحاتٍ أوليةً في بنيتنا التربوية, يتقاسمُها البيتُّ والمدرسةُ والجامعة, لابد أن (ندرّب) ناشئتنا على الحوار, أدباً وثقة وممارسةً, وأن ننقّي أذهانهم من نزعة (الفحولة) في طرح الرأي والإصرار عليه, وتغييب أو تهميش الرأي الآخر, وتحقيق ذلك لا بد أن يمرّ عبر بوابة التربية, وهو أمر لا يتم بين عشية وضحاها, ولقد قلت أكثر من مرة وأقول الآن إن الغدَ للتربية, بكل مستوياتها, فهي (توأمُ) الثقافة, والوجهُ الآخر لعُمْلتها, وهي حجرُ الأساس في إعادة بناء خطابنا الفكري والثقافي وتشكيلهُ تشكيلاً حضارياً ومعرفياً وإنسانياً نمارس من خلاله حضورناً الدائم والفاعل بين الأنام.
* * *
قبل الوداع:
- يقولون أن الحظ جواد.. يطيعك حيناً فيخدمك, ويتمرد عليك حيناً آخر فيخذلك.
- أما أنا فأقول: لقد خدمني الحظ مرات.. وخذلني مرات, تفرقت بنا السبل مرات, وذلك أمر مألوف, في أغلب سير البشر, غير أنني أتمنى ألا أربط نجاحي بـ(قطار الحظ).. ثم ألوم نفسي إذا رحل بدوني, لأن ذلك قد يقود إلى شيء من التواكل في العزم, والعشوائية في الأداء, والقصور في تقدير النتائج, ثم القنوط والعياذ بالله, والذين يتلمسون مسارات حياتهم اهتداءاً بـ(بوصلة) الحظ وحده, هم في نظري أقل حظا.. وأكثر شقاءً من غيرهم, في إدراك النجاح.
* * *
وأخيراً..
- الكتابة عندي عشق ليس كمثله عشق, أشقى به وأنعم في آن, ولو لم تكن الكتابة كذلك, ما نازعتني إليها نفسي.. ولا كلف بها خاطري.
- هي موقف قبل أن تكون مورداً للحرف.
- وهي صراط أنقل عبره هاجس النفس عندما يوقظها نداء الحب لهذا الوطن: كياناً وإنساناً وقضايا.
وهي, أولاً وأخيراً, مسؤولية تُعلَّق بزمام الذمة, فإما أن يكون فاعلها أهلاً لها أو فليدع الفرصة لغيره, فالصمت هنا موقف وحكمة, وهو قول فصل يقصر دونه كل بيان.