يشهد تاريخ خدمة الحجيج في المملكة بالدور الرائد والمتميز الذي تقوم به مؤسسات الطوافة، ومنذ أن عرفت مهنة الطوافة وهي مثل شرفاً كبيراً لمن يعمل فيها. ولذلك فقد كان يحظى بها القضاة، ثم العلماء، ومن بعدهم الأعيان والوجهاء من أهل مكة، الذين كانوا يحرصون على استقبال حجاج بيت الله الحرام، ويسهرون على راحتهم، كما كانوا يفتحون بيوتهم طوال أيام العام للراغبين في الإقامة بجوار البيت العتيق، وكذلك للراغبين في طلب العلم والتفقه في الدين وتعلم اللغة العربية. كما ارتبطت أعمال الطوافة بتقديم كافة الخدمات للحجاج وزوار مسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث يقوم المطوف بكفالة جميع متطلبات الحاج وتوفيرها منذ أن كان يصل إلى جدة إلى أن يصعد سلم الباخرة عائداً إلى بلده في أمن وسلام، ولذلك فقد مثلت خدمات الطوافة مع بدايات نشأتها واجهة لهذا الوطن بما يقدمه المطوف من خدمات متنوعة ومتعددة للضيوف الكرام، الذين يحرص على استقبالهم بكل الحفاوة ويودعهم ببالغ التكريم.
وقد حرصت الدولة -أعزها الله- على تنظيم أعمال الطوافة، فكان من أوائل اهتمامات الملك المؤسس عبدالعزيز يرحمه الله تنظيم شؤون الطوافة اهتماماً منه بشؤون الحجيج، وتيسير أمورهم والعناية بهم طوال فترة وجودهم لأداء المناسك، واستمرت عناية الدولة بتنظيم أعمال الطوافة مع نشأة مؤسسات متخصصة في الطوافة أثبتت جدارتها وقدرتها على أن تتحمل شرف هذه الخدمة الجليلة، فجاء قرار مجلس الوزراء الموقر منذ السابع من شهر ربيع الأول عام ألف وأربعمائة وثمانية وعشرين لينظم هذه المؤسسات، ويجعلها تأخذ شكلاً تنظيمياً اعتبارياًَ تتحدد فيه أهداف مؤسسات أرباب الطوائف وأغراضها، وأسلوب الإدارة ومهام مجلس الإدارة واختصاصاته وكيفية تشكيله، واختصاصات الجمعيات العمومية وآلية عملها.
وقد جاء ذلك القرار تأكيداً على الدور الرائد والمتميز الذي قامت وتقوم به مؤسسات الطوافة، التي ظلت على مر العصور واجهة مشرِّفة للمملكة في خدمة حجاج بيت الله الحرام، ومَن يشدون الرحال إلى مسجد رسوله عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، مستفيدة في أداء خدماتها من تلك الرعاية الكاملة والاهتمام البالغ الذي يحظى به الضيوف الكرام من لدن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين يحفظهم الله، ومن تلك المشروعات الضخمة العملاقة التي تقوم بها المملكة في هذا العهد الميمون لخدمة الحجاج، والتي يأتي في مقدمتها تلك التوسعات العملاقة التي يشهدها الحرمان الشريفان، لإضافة مساحات ضخمة تستوعب الأعداد المتزايدة من الحجاج والضيوف الكرام، إضافة للتطوير الهائل في جسور الجمرات، وفي توفير خدمات التنقل الآمن والمريح لأداء المناسك، والتي يأتي في مقدمتها قطار المشاعر كنموذج حضاري، لما وفره من راحة للحجاج في تنقلهم بين المشاعر لأداء مناسك الحج.
إن الخدمات التي تقدمها مؤسسات الطوافة تمثل نموذجاً مشرفاً لتكامل الجهود التي تقدمها المملكة في خدمة الحجيج، حيث تبرز تلك المؤسسات دور القطاع الأهلي في تحمل شرف أداء هذه الخدمات، بما يستحق الثناء والتقدير، حيث تحظى تلك المؤسسات بشكر وتقدير الحجاج من مختلف الجنسيات لما تقوم به من جهود، وآن لها أن تلقى التقدير والاعتراف بدورها المتميز على ما تقوم به من أجل نجاح هذه المنظومة التكاملية في خدمة الحجاج الكرام. وأسوق هنا نموذجاً حياً يتمثل في تلك المؤسسة العريقة «مؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا» التي يقوم على مجلس إدارتها رجل جمع بين سمات الشخصية الإدارية المتميزة، والتربوية الفذة، فاستطاع الأستاذ عدنان بن محمد أمين كاتب أن يجعل من هذه المؤسسة أنموذجاً في خدمة الحجاج، وترسخت مكانتها في نيل هذا الشرف الذي أتاحته الدولة لهذه المؤسسة منذ ثلاثة عقود من الزمن تمكنت خلالها أن تُطوّر أداءها في خدمة الحجاج بحيث تؤديها بمستويات متميزة تليق بشرف الخدمة، وتتناسب مع مكانة الضيوف الكرام، انطلاقاً من توجهات القيادة الرشيدة الحريصة على التفاني في تقديم أفضل الخدمات لضيوف بيت الله الحرام.
لقد تطورت خدمات مؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا وفق أساليب علمية فحازت قصب السبق في تقديم خدماتها، فهي مؤسسة -كما وصفها بعض المسؤولين- ينتظم فيها التخطيط والتدريب والإخلاص والحرص وأداء الواجب، حيث يضم مجلس إدارتها خبرات وكفاءات متميزة في مختلف التخصصات، كما يضيف لها استعانتها بجامعة الملك عبدالعزيز وجامعة أم القرى بعداً علمياً وبحثياً يجعل مشروعات المؤسسة تقوم على أسس علمية وتنبثق من منهجية البحث العلمي وتطبيقاته العملية الميدانية، ومؤسسة هذا شأنها فإن عجلة التطوير فيها لا تتوقف وتحسين وتطوير خدماتها التي تقدمها للحجاج يكون هو ديدنها وشغلها الشاغل وتأتي هذه الخدمات متناسبة مع فلسفة المؤسسة التي تقوم على أن الحاج هو ضيف غير عادي لأنه ضيف على الرحمن، ولا بد أن تكون العناية به شاملة وفائقة لتتناسب مع مكانة هذا الضيف الكريم.
وانطلاقاً من هذه الرؤية الواضحة لمؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا ونظرتها إلى الضيوف الكرام فقد اهتمت بتطوير كافة الجوانب المتعلقة بجودة الخدمات التي تقدمها فركزت جهودها التطويرية في خدمة الحاج وتطوير المطوف وخدمة المجتمع والعناية بمهنة الطوافة، ولذلك تهتم ببرامج التدريب باعتبارها أحد أهم الآليات الفاعلة لتحقيق الجودة في تأهيل المطوفين وكافة من يقدمون الخدمات للحجاج، حيث تحرص المؤسسة من خلال برامج التدريب وورش العمل التي تنفذها على أن يتملك المتدربون فيها مهارات متطورة في حسن التنظيم والتميز والإبداع والإتقان، ومهارات توثيق العلاقات الإنسانية وفن التعامل مع الآخرين وإدارة المنشآت، وغيرها من المهارات اللازمة في مجالات خدمة الحجيج، كما عَنِيَتْ المؤسسة بتوظيف التقنية الحديثة في خدماتها حيث تتعامل مكاتبها عبر شبكة المعلومات لخدمة مكاتبها المنتشرة في جنوب آسيا والتي يوجد بها حوالي 100 مطوف ومطوفة، كما تحرص مؤسسة مطوفي حجاج جنوب آسيا على القيام بالتقويم الذاتي لخدماتها، واستطلاع رأي الحجاج لمستوى الخدمات التي تقدمها لهم مكاتب المؤسسة قبل مغادرتهم لأرض المملكة، ليمكن تطوير أدائها ليأتي ملبياً لآرائهم وملاحظاتهم.
وبمثل هذا الأسلوب العلمي الذي تحرص عليه المؤسسة في أداء خدماتها تمكنت من استضافة أكثر من أربعمائة وسبعين نشاطاً ثقافياً واجتماعياً لمؤسسات حكومية وأهلية، ونالت تلك النشاطات إعجاب المسؤولين، ولعلي هنا أستشهد بما قرأته وطالعته من وصف حقيقي وصادق لمعالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر، الذي نشهد له بدقة كلماته وحيادية شهادته، فقد وصف نجاح هذه المؤسسة بقوله «ما شاهدته يثلج الصدر ويفرح القلب، أولاً للنية الطيبة التي تطمن وراء هذا العمل النبيل، وثانياً للجهد المبذول في إيجاد مؤسسة متقنة تخدم ا لغرض الذي في أذهان الإخوان الذين وقفوا وقتهم وجهدهم لإيصالها بهذا المستوى، وثالثاً لطموح هؤلاء الإخوة الخيرين لعدم الوقوف عند حل بل السعي لما هو أفضل وأفضل».
ولعل التناسق في تقديم الخدمات الناجحة المتميزة، والحرص على تكاملها والارتقاء بها، وتقديمها بصورة تحقق للحجاج الراحة والطمأنينة والسعادة في كل مرحلة من مراحل أدائهم لمناسكهم، هو ما جعل هذه المؤسسة موضع تقدير وثناء من معالي الفريق سعد بن عبدالله التويجري مدير عام الدفاع المدني الذي استوقفتني كلماته عند البحث عن أسباب النجاح في خدمة الحجيج، حيث قال «لقد سرني وزملائي ما شاهدناه من خطط وأنظمة في مؤسسة مطوفي حجاج دول جنوب آسيا فهي مؤسسة حضارية تعكس شرف مهنة الطوافة والذي منّ الله به على أبناء مكة المكرمة، إنني ومن دوافع مسؤوليتي فخور ولله الحمد بهذه المؤسسة، والتي أعتبرها مؤسسة حضارية تؤدي خدماتها لضيوف الرحمن وفق منهج مدروس وعلمي، يركز على تنظيم منهجي استفاد من دروس، فكانت تجارب ناجحة، فأحسنوا التخطيط وخدموا فكانوا خير من أدى الخدمة لحجاج بيت الله الحرام».
إن جوانب النجاح المتعددة التي تقدم لخدمة الضيوف الكرام هي مصدر فخر وسعادة لنا، في هذا العهد الميمون الذي يبذل قصارى جهده لخدمة الحجاج والضيوف الذين يعودون لبلدانهم وهم يتوجهون بالدعاء أن يكرم الله قادة هذا البلد وأبناءه لما يقدمونه لهم من خدمات، جعلت من وجودهم على أرض هذا الوطن متعة روحية باقية في أذهانهم مدى الحياة.
حفظ الله وطننا وولاة أمره، ووفقهم للقيام بشرف خدمة الحرمين، ووفق مؤسسات الوطن الحكومية والأهلية لنيل شرف النجاح في خدمة الحجيج.
وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام سابقاً