لا ينتظم أمر الناس ولا يكون اجتماعهم مأموناً من التفرق ما لم تكن مكارم الأخلاق غالبة في حياتهم وسائدة في معظم شؤونهم وأحوالهم، ومكارم الأخلاق كلها خير وبركة، وكل مكرمة ترفع صاحبها في الشرف درجة أو درجات، ومن أعظمها أثراً في سعادة حياة الأفراد والجماعات خلق الحلم، ويعني: الأناة والتحلي بالهدوء وضبط النفس عند هيجان الغضب.
خُلق الحلم من أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب لما فيه من السلامة والبعد عن الحماقة، فالإنسان يعود نفسه على هذا الخلق ليكون سجية له في حياته، لأن الإنسان في حياته قد يلاقي من غيره ما يؤلمه أو يسمع ما يؤذيه، ولو ترك كل واحد نفسه وشأنها لترد الإساءة بمثلها، لعاش في صراع دائم مع الناس، وما استقام نظام المجتمع وما صلحت العلاقات الاجتماعية.
فالإنسان في بيته ومع أسرته في تعامله أو في وظيفته قد يرى ما يغضبه، ومطلوب منه شرعاً وعقلاً أن يكون واسع الصدر متصفاً بالحلم يسارع إليه قبل أن يسارع إلى الانتقام، وبذلك يظل المجتمع متحاباً متماسكاً، ومن أخطأ اليوم فقد يصلح خطأه في الغد، ويندم على ما قدم من إساءة.
فبالحلم يحفظ الرجل على نفسه عزتها وكرامتها، ويرفعها عن مجاراة السفهاء، قال معاوية رضي الله عنه لعَرابة بن أوس: بم سِدت قومك يا عرابة؟.. قال: يا أمير المؤمنين: «كنت أحلم على جاهلهم، وأعطي سائلهم، وأسعى في قضاء حوائجهم». وذلك لأن الناس يكرهون جافي الطبع ولا يجتمعون حول من يأخذه الغضب لأدنى هفوة إلا أن يساقوا إليه سوقاً أو يحتاجون إليه ضرورة.
وليس من شرط الحلم أن يفقد الرجل قوة الغضب، بحيث تكون حاله أمام الإساءة وعدمها سواء كلا، وإنما شرط الحلم ألا يطغي الغضب على الإنسان فيدفعه ذلك إلى الانتقام أو يمنعه من الصفح والعفو، فالحليم قد يأخذه الغضب لجهل جاهل عليه لكنه يكظم غيظه حتى لا يكون له أثر في الواقع، كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
ولربما ابتسم الكريم من الأذى
وفؤاده من حره يتأوه
فليس الحلم رضى بالذل والإهانة، وإنما ترفع عن الاستجابة لهوى النفس أو التشفى، فِمن الحزم الغضب للأذى الذي يصدر عن لؤم وفساد طبع قال النابغة الجعدي:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له
بوادر تحمى صفوه أن يكدرا
وفرق بين من حلمه حِلم ذل ومهانة وحقارة وعجز، وبين مَن حلمه حِلم اقتدار وعزة وشرف.
والله ولي التوفيق.
- وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية