من وسائل العلاج التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وسيلة الرقية، وكانت معروفة في الجاهلية قبل الإسلام، يشوبها ما كان يشوب غيرها من أمور الجاهلية. فلما جاء الإسلام هذبها، ونقاها مما كان يخالطها من المخالفات، وبخاصة الأمور الشركية، ويدل على ذلك الحديث الذي رواه مسلم في صحيحة عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يارسول الله: كيف ترى في ذلك؟ فقال: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى، مالم يكن فيها شرك).
بل إن الشارع الحكيم رغب فيها إذا كانت منضبطة بالضوابط الشرعية؛ لغرض نفع المسلم إخوانه، والأخذ بالأسباب الشرعية؛ لإزالة الضرر والألم عن المسلمين.
ويدل على ذلك مارواه مسلم في صحيحه عن جابر - رضي الله عنه - قال: لدغت رجلاً منا عقرب، ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من القوم: أرقيه يارسول الله؟ قال: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل).
وقد كان منهج الصحابة، والتابعين، والسلف الصالح تجاه الرقية، منهجاً معتدلاً وسطياً، لاإفراط فيه ولا تفريط، وكان الأصل أن يرقي الرجل نفسه بنفسه، عند نومه، أو إذا ألم به وجع، أو أن يرقي نفسه بالأذكار المشروعة، تحصيناً لنفسه، وكان الرجل لايسترقي إلا في أضيق النطاقات.
وإذا نظرنا إلى واقعنا المعاصر نجد أن معظم الناس بين إفراط وتفريط في شأن الرقية، وما يتصل بها من مسائل.
فقسم فرط في شأن الرقية الشرعية، ولم يؤمن بها، واعتبرها خرافة منافية للعقل، ووسيلة وهمية لخداع السذج من الناس.
ولا كلام لنا مع هذا الصنف من الناس في هذه العجالة؛ لأن الرقية الشرعية ثابتة بالنصوص الشرعية الصحيحة، وثبت بالواقع والمشاهدة تأثير العين، والسحر، في المعيون، والمسحور، وثبت كذلك أثر الرقية في العلاج بإذن الله تعالى.
وقسم أفرط في هذا الشأن، وبالغ حتى تجاوز حدود المشروع والمعقول، فرأينا كثيراً من الناس قد أصيبوا بالوهم، والوسواس، فتجده يعزو كل شيء في حياته إلى العين، والحسد، والسحر، ثم تجده يهرول إلى هذا الراقي، وإلى ذاك، حتى رأينا العشرات، بل مئات الناس يصطفون أمام بيوت الرقاة، ممن يزاولها عن حق ودراية، وممن يدعيها ادعاء. ومما زاد الأمر تفاقماً، أن بعض الرقاة - هداهم الله - تجاوزوا موضوع الرقية إلى الكشف عن الأمراض، وتشخيص الداء، ولو عن طريق الهاتف، أو القنوات الفضائية، فيحكمون على هذا بأنه محسود، وذاك مسحور، وذاك معيون.
وقد نتج عن كثرة الناس المراجعين للرقاة ظهور أمور عجيبة: منها.
أن الراقي الواحد قد يرقي مئات الأشخاص في اليوم الواحد، فيجمع أمامه عشرة أشخاص، أو عشرين أو أكثر، ويرقيهم دفعة واحدة.
ومنها: أن كثيراً من الرقاة يرقي عشرات الصناديق من قوارير المياه، ويبيعها للناس، بل منهم من يرقي على خزان الماء، ويصطف الناس لملء قواريرهم من هذا الماء.. إلى غير ذلك مما يبين أن الرقية قد خرجت عند كثير من الناس عن مفهومها الشرعي الذي كان عليه السلف الصالح.
ولذلك فإنه يجب على الدعاة والخطباء، والعلماء تبصير الناس بحقيقة الرقية الشرعية، وتوعية الناس توعية علمية حتى لايكونوا فرائس للأوهام، والوساوس واستغلال بعض الرقاة لهم، كما ينبغي للجهات المسؤولة في الدولة تنظيم هذا الأمر، والضرب على يد من يستغلون جهل الناس.. والله الموفق.
alomari1420@yahoo.com