حب الناس لغيرهم لا يمكن أن يتم من خلال التصنع أو عبارات المجاملة، إنما يأتي من وجدان فطري سوي ارتبط بقيم سلوكية تنبع من القلب الذي يحسن ظنه بالناس ومحبة إليهم دون أن ترتبط بمؤثرات مادية ومصالح شخصية، فالدكتور فواز بن محمد الدخيل ينطبق عليه هذا السلوك فشعاره محبة الناس ليس له أي خصومة مع أي أحد كان، فهو المبادر بالتواصل مع الناس وحرصه على التعرف عليهم مهما كانت منزلتهم العلمية والاجتماعية حتى العرقية والمذهبية فالابتسامة حاضرة معه دائماً (تبسمك في وجه أخيك صدقة).
ويتساءل الكثير ممن يتعرف عليه لأول مرة إلى هذه الدرجة يكون متواضعاً وسط استغراب واندهاش؛ لأن هذه الصفة أصبحت نادرة في ظل مغريات الحياة ومن يعمل الإيحاءات لبعض الناس أنه لابد أن يكون له (برستيج خاص) ليميزه عن الآخرين وهذا لم يلتفت إليه الدكتور فواز بل من المحاربين له ويرى أن فيه انتقاصاً لشخصيته ومنافياً لفطرته، فهو يرى نفسه أنه مخلوق من ضمن مخلوقات الله وأنه إنسان لا فرق بينه وبني البشر سوى الذي رسخته عقيدته ومثله العليا (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، هذا هو ديدنه الذي مارسه في مشواره في هذه الحياة وارتقى به من خلال تحصيله العلمي وارتباطه بموروثه الثقافي الذي جعله عنصراً متفاعلاً مع هموم الوطن الذي رسم صوره في أروقة الجامعة من خلال كلية الآداب / قسم الإعلام جامعة الملك سعود، ولاسيما في بداية تأسيس هذا القسم الذي يحتاج إليه الإعلام في المملكة حيث أسهم مع زملائه الأكاديميين في هذا القسم أن يكون الإعلام حاضراً من خلال منهجيه علمية توظف في اعداد الكوادر المتخصصة فيه لتحل بدلاً من الكفاءات غير السعودية التي كانت الحاجة في وقت من الأوقات ملحة إليهم وهذا ما تحقق في تخريج المئات من المتخصصين في الإعلام والذين يتبؤون المراكز القيادية في حقول الإعلام المختلفة في مملكتنا الغالية إضافة إلى الكوادر التي تسهم في اعداد وإخراج البرامج الفنية المتنوعة، وبعد هذه التجربة الأكاديمية الناجحة تم ترشيحه للعمل في الملحقية الثقافية السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولاً عن الإعلام والعلاقات الثقافية فكان محل ثقة وتقدير من المسؤولين في الملحقية لما يملكه من خبرات وعلاقات واسعة من أطياف المجتمع الأمريكي ولاسيما مع المؤسسات الأكاديمية التي وظفها لخدمة الملحقية والمبتعثين السعوديين فكانت سبباً في حل الكثير من الإشكاليات التي تواجههم، ولم يقتصر دوره على ذلك بل جعل من شخصيته مرشداً أكاديمياً واجتماعياً لهؤلاء المبتعثين.. وأذكر بهذه المناسبة أن أحد طلابه الذي التقيت به يقول: لولا الله ثم مساعدة الدكتور فواز لما واصلت دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لسوء فهم حصل بيني وبين إدارة الكلية التي أدرس فيها، حيث أتيت إليه عازماً على ترك الدراسة والعودة إلى المملكة فطلب مني التريث وأن أعطيه الفرصة للتحدث مع المسؤولين في الكلية وفي خلال يومين وإذ به يتصل بي لمراجعة الكلية وأن الموضوع انتهىبإمكانكم مواصلة الدراسة فيها، شكرت له صنيعه الذي كدت في قراري المتسرع أن أدفع الثمن.
وبعد هذه التجربة الناجحة في العمل في الولايات المتحدة الأمريكية تم اختياره من قبل معالي الدكتور غازي القصيبي ليكون ملحقاً إعلامياً في سفارة خادم الحرمين الشريفين في المملكة المتحدة التي يعتبرها من أفضل المحطات التي عمل بها في حياتها، لأنها تأتي في ظل توجيه شخصية فذة استطاعت توظيف أعلى درجات الإدارة لخدمة التنمية والتطور في المملكة، ويقول تعلمت منه الشيء الكثير واعتبره مثلي الأعلى في فنون الإدارة والتغيير وأعطاني الحرية كاملة وصلاحيات واسعة تمكنني من أداء عملي على الوجه المطلوب التي على ضوئها أقمت علاقات وقنوات واسعة مع المؤسسات والشخصيات الإعلامية في المجتمع البريطاني التي هدفها الأول والأخير إبراز مكانه المملكة الريادي كدولة مؤثرة في العالم ودحض الافتراءات المغلوطة ضدها. وبعد هذا المشوار الحافل بالعطاء المتواصل تم إحالته إلى التقاعد نتيجة لظروفه المرضية التي عاني منها كثيراً، ومع ذلك لم يتوقف عمله بعد تقاعده فالهم المحلي والعالمي ومتابعة ما يطرأ من مستجدات في الساحة العالمية متابع لها عبر وسائل الإعلام المختلفة، فطيلة أيام مرضه لا يخلو حديثه عنها فتجد غرفته المكتظة بالزائرين أشبه ما تكون بأمسية يتم تناول مختلف الأحاديث فيها سياسية وأدبية وإعلامية واجتماعية ويكون حاضراً ومدليا بدلوه فيها على الرغم مما يعانيه من آلام وأمراض.
رحمك الله يا أبا فهد وجعل ما قدمت لوطنك وأمتك في موازين حسناتك وأن يغفر الله لك ويتغمدك بواسع رحمته ويسكنك فسيح جناته، وأن يلهم ابنك فهد وبناتك منيرة وسارة وزوجتك لطيفة الدريس التي ضحت بصحتها ووقتها طيلة سنوات مرضك وعائلة الدخيل كافة الصبر وسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد..
mid@abegs.org