Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 14/03/2013 Issue 14777 14777 الخميس 02 جمادى الأول 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

عادل أبو شنب ذو غيرة على أمته العربية، ولكنها أُمَّةٌ غير الأمة التي نعرفها منذ جاهليتها، وقد جاء الإسلام ليتمِّمَ مكارم أخلاقها، وقد بلغت بهم الغيرة على المحارم إلى أمرٍ أشدَّ حُرْمَة؛ فجاء الإسلامُ المُتَمِّمُ مكارمَ الأمة العربية بإقرار الغَيْرة وتنظيمها، وبَسطَ جناحَ الوقاية وطهارة القلب والسمع والبصر قبل إجراء العلاج بالعقوبة،

وأحاط إقامة العقوبة بحواجز لا تُفْلِتُ إلا في مجتمع عَلَنه إباحي.. ومرَّت عصور بقي فيها العرب على دينهم، وغلبتْ عليهم خصالٌ جاهلية من السلب والنهب؛ لشظف العيش، وضعف الوازع السلطاني، وعدم الوعي بتنمية الإنسان مهارةً وفكراً، وعمارة الأرض..

ومع هذا فمصيبة بنت البادية أن تُفْدح في حجابها؛ فمهما قيل عن جرأة بنت البادية، وأن (بنت الرجال لا تهاب من الرجال) إلا أن الحجاب شرف لا تتركه وهي تشارك الرجال من أبناء العمِّ - وكلهم غيور على محارمه - في أصعب أحوال المعيشة؛ ولهذا لا يكون الذهول عن الحجاب إلا في كارثة خطيرة كما قال ابن سبيل في مدحه فيحانَ بن زريبان:

عَوْقَ الخصيمْ وْسْتر مَنْ تذهل غْطاهْ

لاهَجِّ من عجِّ السبايا قعودهْ

فمعنى ذلك أنها صاحبة حجاب تحافظ عليه، ولا تنساه إلا في مثل هذا الموقف حينما يلتحم الجمعان، وتصيح صاحبة الهودج تستحثُّ الشجعان.

وأما غيرة أبي شنب فقد جاءت احتجاجاً على (غالي شكري)، وهو أرثوذكسي هجر بلاده مصر طويلاً متعاوناً مع الصحافة المارونية، واصطنع الماركسية مُنظِّراً لها في حزب خالد محيي الدين، وزميله الأدنى في التنظير عبدالمنعم تليمة..

وكان مما نشره آنذاك في الصحافة اللبنانية: “أن التمازج بين العروبة والإسلام قوقعة لا يحقُّ للتقدميين أن يسكنوها؛ لأنه لا علاقة بينها وبين الطابع القومي للتراث؛ ذلك أن المرأة نالت يوماً في تراثنا ما لم تنله المرأة الأوربية بعد”..

وهو يريد بتراثنا تشريعات حمورابي والتراثين الفينيقي والفرعوني، وأضاف هذه المعادلة بقوله: “إن ما لا أجده في التراث الإسلامي ويحتاج إليه تقدُّمنا الراهن قد أجده في التراث المسيحي واليهودي، وهذه كلّها أجزاء من ثراثنا القومي!!”.

وأما (عادل أبو شنب) فقد اهتزَّ غضباً على هذا المنطق، وغيرةً على أمته العربية؛ فنقم على (غالي شكري) غَفْلَتَه عن عناصر تُبرِّئ ساحة العرب؛ وذلك أنهم لا يتعاملون مع تراثهم على أساس ديني، وأن العروبة تراث يجمع كل ما مرَّ من مفاهيم وحضارات في المنطقة!!!..

وصاحِبُ هذا المنطق وُجِدَ قبلهم بأجيال، وهو جمال الدين البهائي الذي تبنَّى أديان الشرق، واستحيا عبارة تضليليَّةً استخدمها في غير محلها، وهي (كل الطرق توصل إلى روما)، ولهذا يلتقي المؤمن والوثني والملحد على قبولِ ربِّه له في الآخرة؛ لأن كلَّ هذه السُّبلَ مُوصِّلِةٌ إلى الجنة!!.

قال أبو عبدالرحمن: هؤلاء من قُوى التضليل في أُمَّتنا، وتهافت في نيرانهم ضحايا التعدُّدية؛ لضعف قَدَرِهم في القوة العلمية المادية، وتفوُّق العالم الأقوى؛ فأصبح كل ما يأتي من هناك على العصمة، وأصبح تاريخنا لا يعني أمجاد عرق عربي، ولا مزايا رقعة وطنية..

والذي يفقهه متوسط الثقافة التاريخية أن العروبة كرائم أخلاق تجاوزوا فيها الحدَّ فانقلبت إلى ضدها؛ فبدأ التاريخ العربي الحقيقي باستعادة الكرامة للتصور العربي السليب، وهو التصور الذي بدأ بالإسلام ولم يولد مع العروبة..

إنه التصور الذي أصبح به العربي ذا وجود تاريخي، وحضور طليعي..

والأديان كلها ليست تراثاً قومياً ولا وطنياً، ولكنها إرث أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين بلَّغوها عن ربهم، وخصَّ الله بعض القوميات بشريعة، ولكن المِلَّة واحدة، والإسلام جاء بأيسر شريعة، وبملة الرسل عليهم الصلاة والسلام التي لا نسخ فيها؛ فهو دين البشرية بلا عرقية؛ وإنما للعرب فضيلتهم ما ظلوا قائمين على دينهم؛ لأن الإسلام انتشر بالله ثم بجهاد خير الأمة من أجداد عربِ هذا الزمان، ولأنهم الأعلم بدين ربهم الذي نزل بلغتهم؛ فإذا تخلَّوا هيأ الله مَنْ ينصر الدين مِن غيرهم، ويذيقهم الذل حتى يفيئوا..

وحدث هذا كثيراً في التاريخ كتمكين المسلمين في الأندلس على أيدي البربر، وتمكين المسلمين على يد أمثال صلاح الدين الأيوبي، وابن قلاوون، وحفدة عثمان أرطغرل..

ولو ورث هذا الإرث زنوج أمريكا أو جُفاة النوبة لكانوا أسعد به وأحق من كل عربي صريح القُعْدَد انتمى إلى لينين أو ماوتسي أو ميشيل؟!..

إن الحضور العربي دولةً وقوة وهداية وعبقرية علمية لم يرتبط بدينٍ غير دين الإسلام..

ودين الإسلام جاء للناس كافة بلغته القومية، ومُبلِّغه عربي، وجمهور المناضلين عنه في بدايته عرب؛ وإذ هو للناس كافة: فإنَّ العرب أولى الناس بتبليغه؛ لأن إليهم المَرْجِع في تبيانه من لغتهم؛ فإن تولوا عن الصدارة والأولوية فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أوسع مِن نسل عدنان وقحطان؛ لأن الله كرم العرب بالرسالة ولم يكرم الرسالة بالعرب {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} محمد 38.

والرقعة العربية والإسلامية حق عربي بسلطان إسلامي دون أي مفهوم عربي قومي لا يُدْلي بمشروعية الفتوح الإسلامية الكريمة، والتراث الإسلامي إرث الأنبياء كله من الإيجابيات والثوابت في تصور العربي وسلوكه حسب ما يجب أن يكون؛ لأنه نص واضح صريح على الإيمان بكل الرسل، وأن القرآن مُصدِّق لما بين يديه، شاهد على ما أُدْخل فيه من افتراء، قاضٍ بأن لكلِّ أمة شرعة ومنهاجاً، وأن الملة واحدة، ثم ختم الله الشرائع بدين الإسلام..

والتراث العربي القومي العرقي ليس كله من الثوابت والإيجابيات، بل فيه ثوابت أقرها الإسلام أو المعقول أو التجربة أو ضرورة الكيان، وفيه ما ليس معصوماً فكراً وأدباً وفناً وخلقاً وأخطاء تاريخية، وهذه صفة المتغيِّرات والمتطورات؛ وإذن فلنا تراث قومي ذو طبيعة بشرية يعتورها السهو والنقص والجهل والمتغيّرات، وقد يكون للتراث القومي بعض الميزات على القوميات الأخرى، ولكن هذا لا يعني عصمة تراثنا القومي العرقي ولا كِفايته، ولا يَعيبنا نقْصُ إرثنا الذي يُحوِجنا إلى طلب الميزات من التراث الآخر؛ لأجل دنيانا دون ديننا؛ لأن ديننا كامل مهيمن معصوم وقد صحَّ دلالةً وثبوتاً..

وما نطلبه لدنيانا نأخذه تطبيقاً لا تأصيلاً؛ لأن ديننا تأصيلاً يحفزنا إلى كل ما يحقق لنا القيادة..

وأما التراث القومي غير العربي الموجود في رقعتنا العربية والإسلامية فليس هو تراثاً لنا، ولا مجال للمغالطة في هذا الادِّعاء، ولا نرفضه بإجمال ولا نأخذه بإجمال، بل نأبى منه ما يأباه ديننا، وما فيه مِساس بكياننا لغة ورقعة وتاريخاً، ونصطفي منه مِيزة تُغَذِّي موهبة الفكر البشري ومهارته؛ وهذا يعني اصطفاء الميزة وطرح المجمل على أن ذلك محض الاختيار الواعي والميزة للإرادة العربية؛ وإنما يفخر التراث القومي غير العربي الموجود في الرقعة العربية والإسلامية بما كان منه ميزة استحيتها أمة الإسلام التي أورثتهم الرقعتين (الرقعة العربية، والرقعة الإسلامية) ببصيرة المسلم.

ولقد بدأت روح التجزئة بعصبيَّة إقليمية عند الدكتور طه حسين لما تبنَّى حضارة البحر الأبيض المتوسط (جنوبيِّه وشماليِّه) تحت سِحْر شيخه اليهودي (مرجليوث) مع الانبهار بحضارات معمارية أكثر منها ثقافية وفكرية، ويظهر لي أنه لم يمت على هذا المعتقد؛ لأن إشرافه على تحقيق بعض كتب التراث، وجهده في مثل (حديث الأربعاء)، وبرنامجه الإذاعي (ديننا يُسْر لا عُسر): كل ذلك دليل على تراجعه عن عقيدة التجزئة..

ثم تنفَّست الطائفية والأحقاد المِلِّيَّة بدعوى أمة عربية تُسْقِط تاريخ البعثة النبوية إلى هَيْضة نابليون، وتبدأ بالصنم (بعل) وتنتهي بأكثر مما انتهى إليه طه حسين في كتابه عن مستقبل الثقافة بمصر، وكان أشدهم جلداً (أدونيس) مع ضعف صوت زوجته (خالدة)..

ووقاحة فكره الأدبي ظهرت صريحةً قبل ظهور السطو العسكري النصيري التحالفي..

ولا يزال يتجدَّد حتى الآن منذ بِن سلامة والمبخوت إلى أركون والمنصف بن عبدالجليل..

ولما لمع نجم أدونيس مع رفاقه الطائفيين والمليين أصحاب مجلات شعر وحوار ومواقف استرحلوا الرمَّز المحبَّبَ من أجل توسيع الدلالة اللغوية، وإخصاب الذائقة الجمالية، ولكنَّ مدلوله هجاء عَفِنٌ لأمتنا؛ فتلقَّاه كثير من الشباب أول الأمر..

ومن هذه الرموز الرمل والعباءة والخيمة والقهرمان (جند الخليفة)، والمهرِّج - وهو يعمُّ الفقيه والأديب -..إلخ..

وبعد نكسة حزيران خرجت عِياناً كل سوءات باطنيته القبيحة؛ فكان شعره وعيداً بأنياب وقرون وسكاكين..

إلخ تطحن قرون الهجرة النبوية وما بعدها، وجاء وعيده مسترحلاً (مهيار الدمشقي) القناع لمهيار المجوسي، والمنتجب العاني الذي هو رمز الهذْر الباطني..

وأما إشارة غالي شكري إلى حق المرأة في التراثين اليهودي والمسيحي فذلك تضليل أصلع؛ لأن شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تختلف في حقوق المرأة؛ لأن الحقوق المرتبطة بأسباب ثابتة في الطبيعة البشرية من الثوابت لا تتغيَّر، فلا تقبل النسخ؛ وإنما يوجد في التراث اليهودي فقط أعنف ظلم للمرأة من تبديل في اللاهوت الإلهي وافتراءِ تفسيرٍ في اللاهوت الطبيعي..

حتى الأم حقُّها من البِرِّ في كل الشرائع ولا بُدَّ كحق الأب ومثله معه ضِعْفاه؛ لأن طبيعة المرأة الأم سنة كونية لا تبديل لها، وما حكم الله لها من البر متعلِّق بخصِّيصتها، ومثل هذا لا يقبل النسخ، ومع هذا نجد النص في التلمود البابلي من افتراء الحاخامات تقديمَ حقِّ الأب، وهذا نابع من سيرتهم العلمية والعقدية في حق المرأة؛ ولهذا كانوا لا يُؤاكلونها ولا يجالسونها في عوارض الأحداث كالحيض، بينما منطق الإسلام: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان بينكم..) الحديث، وألزم الرجل حق القَوامَة نفقةً وحمايةً من ذئاب تخنق ولا تأكل، وصان كرامتها أن تكون سلعة شهوانية يُقْذف بها في مجاهل الضياع إذا ذَبُلَتْ زهرتها..

وإذْ راعى الإسلام زيادة حظ الرجل في الميراث من أجل أعبائه في النفقة والكدح وإراحة المرأة من كدح ليس من جِبِلَّتها: حَمَّل الأب والابن والقرابة والجيران والمجتمع مسؤولية النفقة على المرأة - إذا مات الرجل، أو فارقها بطلاق-..

وهكذا مسؤولية العاقلة، ومسؤولية التكافل الاجتماعي الذي يتحمل أعباء الأرامل، وما الأرملة إلا المرأةُ التي لا قَيِّم عليها..

وأما التراث المسيحي فليس فيه إلا المرحمة من هذا الجانب مع ما دخل الدين من تأويل وتحريف..

والذي حدث في الغرب بالغين المعجمة من الديوثة، وجَعْلِ كرامة المرأة سلعة، وحرمان الأسرة من النفقة والإرث العادل وصلة ذوي القربى والعاقلة والقَوَامة..

إلخ: فليس تراثاً مسيحياً؛ وإنما هو شيء طرأ عليهم وعلى تراثهم منذ النهضة المادية العلمية في أوربا القائمة على أنقاض التراث المسيحي إلى أن أصبح حق الله مُسقَطاً بالإكراه الجبري بالقانون الوضعي وإسقاط الخلافة الإسلامية والإمبراطوريتين المسيحيتين، ووراء ذلك مَن يعرفهم كل العالم من ذوي العمل الظلامي، وإلى لقاء قريب عاجل إن شاء الله، والله المستعان.

- عفا الله عنه -

عَوْقَ الخصيمْ وْسْتر مَنْ تذهل غْطاهْ
أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة