باسم يوسف مقدّم برامج مصري مُتمكّن ومحترف؛ له برنامج سياسي ناجح في محطة السي بي سي المصرية؛ وأزعم أن هذا البرنامج على وجه الخصوص أعاد إلى القاهرة وهجها وبريقها الإعلامي القديم؛ فعاد العرب إليها بعد أن هاجروا إعلامها لثلاثة عقود خلت وربما أكثر، ولم يبق ما يُذكر في الأعلام المصري إلا المسلسلات التلفزيونية؛ ولكنها هي الأخرى كانت قد بدأت تفقد احتكارها بعد أن نافستها الدراما السورية والدراما التركية المدبلجة. برنامج باسم يوسف يُعتبر الآن أهم برنامج سياسي عربي ساخر على الإطلاق؛ بل إن السخرية السياسية التلفزيونية لم تعرفها القنوات العربية الفضائية إلا مع هذا البرنامج؛ اللّهم إلا بعض البرامج اللبنانية الساخرة، والضعيفة التي لا ترقى إلى هذا البرنامج وسخريته ومهنيته. اسمه (البرنامج) ويُبث يوم الجمعة، ويعمل فيه كما يقولون أكثر من مائة وخمسين موظفاً؛ تختلف أعمالهم بين فنيين ومنتجين ومعدين وعمالة فنية، يكونون فيما بينهم فريق عمل يقوم بعملية الإسناد الفني والإعداد والمتابعة؛ والبرنامج غاية في الإبداع، ومصروف عليه بسخاء، سواء من حيث المسرح الأنيق المتحلّق حوله الجمهور، أو الإعداد والإخراج واختيار اللقطات السياسية والتعليق عليها بسخرية، وعليه إقبال إعلاني منقطع النظير، لكنه مُزعج في الوقت نفسه، وهذا السبب جعلني أتابع حلقات هذا البرنامج بعد بثه في (اليوتيوب) كي لا تُفسد متعته كمية الإعلانات الكبيرة المصاحبة للبرنامج. ويُقال إن باسم يوسف يتقاضى عليه من قناة السي بي سي منفرداً ثلاثة ملايين دولار سنوياً. ولأن الإخوان والرئيس المصري محمد مرسي هم بصراحة مادة دسمة للسخرية والتندر والضحك، نظراً لتدني خبرة الرئيس السياسية، إضافة إلى التخبط السياسي والاقتصادي للنظام الإخواني المصري ككل، ولأن المصريين بطبيعتهم أهل كفشات ونكات، ولا تفوتهم حبة إلا وجعلوا منها بسخريتهم قبة، فقد استحوذ الرئيس مرسي والإخوان على أغلب حلقات البرنامج، واتخذ باسم من بعض اللقطات تعليقات في منتهى السخرية، إلى درجة أنه فعلاً أظهره إضافة إلى المرشد - وإن بدرجة أقل - بشكل كاريكاتيري ساخر. أكثر هذه الكفشات سخرية وتندّر حين ظهر الرئيس مرسي يجيب على أسئلة صحفية في إحدى مؤتمرات الإخوان، وكان بجانبه المرشد العام محمد بديع، وفي إحدى الإجابات كان المرشد - (البيه الكبير) - يريد من مرسي أن يُضمّن إجابته لفظة (القَصاص) كمصطلح شرعي يحي بدلالات تهم توجه الإخوان وخطابهم (السياسي)، فهمس له بها، لكن مرسي لم يتنبّه، وأعادها، ولم يتنبّه، فضجر منه المرشد ونهره قائلاً: (القَصاص يا عم)، فارتبك الرئيس والتفت إلى المرشد وردد الكلمة بشكل كاريكاتيري مضحك، وكانت عملية (التغشيش) من ألّفها إلى يائها مسجلة وواضحة تماماً.. باسم اتخذ من هذه الكفشة والموقف فرصة للسخرية والتندر وأعادها مراراً، وعلّق عليها بطريقة وأسلوب لا يجيده بفن وإتقان إلا هذا الإنسان المتميز بحق. الإخوان وكذلك السلفيون حاولوا إسكاته، فمارسوا معه في قنواتهم الفضائية - كعادتهم - حملات من السب والتجريح والشتم والتشويه والتسفيه والابتزاز، إلا أنه كان يُقابل حملاتهم تلك بالسخرية والضحك و(التريقة)؛ لم يعبأ بها، بل زاد الجرعات الساخرة جرعات. ولأنهم لم يجدوا حلاً، والرئيس وتصرفاته مادة دسمة لمثل هذه البرامج، تحولوا إلى الدعاوى القضائية.. فهناك - كما يقولون - عدد من القضايا تنتظر باسم والقناة من الإخوان وكذلك من حلفائهم القدامى السلفيين الذين نالهم من لذعات باسم وسخريته ونكاته نصيب؛ أملهم أن يكمم القضاء فم هذا الذي طلع لهم من حيث لا يحتسبون، فزاد مأزقهم مأزقاً وطينهم بللا، وأثّر بلا شك سلبياً في الصورة النمطية للإخوان وكذلك على السلفيين تأثيراً عميقاً. ورغم اختلافي الشديد مع الإخوان وتوجهاتهم وأجنداتهم، إلا أن هذا البرنامج بهذا السقف غير المسبوق من الحرية يُثبت أن مصر في عصر الإخوان تعيش حرية إعلامية حقيقية قَلّ أن تجدها في أية دولة عربية أخرى.
إلى اللقاء.