لست مع المحتفلين شكلياً بالأيام المخصصة لأي قضية من القضايا! وهي كثيرة متعددة.. بل قد يخصص نفس اليوم للاحتفاء بأكثر من قضية وشعار أو مناسبة تاريخية لا تهم إلا أصحابها المعنيين.
رأيي أن التذكير بالقضية - أي قضية, خاصة المجتمعية- والعمل على حل الإشكالات المتعلِّقة بها يجب أن يتم كل يوم، وعبر الأفعال والتوعية وفرض الحلول, لا بالاكتفاء بضجيج الشعارات؛ خاصة في هذا الزمن المحتقن بصراعات التيارات والمغالاة في المواقف والتأجيج والأدلجة والتسييس لأي قضية.
يوم الجمعة 8 مارس احتفل مناصرو قضايا المرأة بـ»يوم المرأة العالمي».
ووصلتني أصداء الاحتشاد والزخم العام في تفاعلات الإعلام العالمي في كل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية احتفاءً بيوم المرأة, ثم عشرات الاتصالات التي طلبت مني المشاركة سواء بتوضيح موقفي الذاتي الخاص, أو للكلام عن منجزات الوطن بهذا الشأن, استثارتني للتفكير.
لم أستجب لأي من الطلبات الداخلية أو الخارجية, لأنني مثلما لا أومن بالتذكّر للقضايا منحصراً في يوم بعينه, لا أومن أيضاً بالحضور لملء مساحة إعلامية تحتاج أن تشغل بأصواتنا، ثم ينتهي الأمر مع نهاية اليوم.
ولا أومن أيضاً - وهذا هو المهم - أن أشارك في اختلاق صورة عن أوضاع الوطن في ما يتعلّق بالمرأة؛ لا صورة زاهية تصنفها ملكة ممجدة ومحظية حظيظة بأوضاعها؛ ولا صورة باكية تمثّلها ضحية مؤامرة وجودية أو ذكورية أو تغريبية.
كل هذه الشروح المؤطرة لمعاناة «المرأة» كفئة، تنسى معاناة المرأة الفرد على أرض الواقع دون تأطير. وتستغل الشكوى من الأوضاع الفردية الحقيقية التي تعاني منها هذه المرأة أو تلك في ظروف وتفاصيل حياتها الخاصة لتهمشها رمزاً في صراعات إيديولوجية.
وأوضاع المرأة موضوع حوار لجدال يطول..
وليس الجدال ما يهم ككسب جائزة في مباراة؛ بل نحتاج حواراً حضارياً لا ينسى أطرافه أنها إنسان خلقه الله بمواصفات لا تشمل أن يكون مجرد إضافة لأي فرد آخر. حواراً متوازناً من منظور يعني الوعي بوجودها وهي نصف المجتمع، وأم وأخت وابنة وزوجة النصف الآخر - ويعني الوعي بحقوقها كمواطنة مفردة سواء ظلت في المنزل أو اختارت أن تعمل خارجه بمردود مادي من مصدر رزق شريف.
معاناتها حديث ذو شجون..
ولي عودة لنتابع هذه المعاناة مرات ومرات..
فنحن بحاجة أن نحس معاناة المرأة لنرى المرأة.. لا جانب الأنثى فيها فقط.