الجزيرة - الدمام:
كشف تقرير اقتصادي وسط تفاؤل مصحوب بالحذر الشديد أن تحقق دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الجاري 2013 نموا جيدا في الناتج المحلي، يتوقع أن يبلغ 3.6%، مقارنة بـ 5.5 % للعام 2012، بالرغم من مخاوف حدوث مزيد من التقلبات المالية والاقتصادية العالمية.
ويستند التقرير في تفاؤله بأن أسواق النفط ستظل قوية، مع وجود رغبة أكيدة لزيادة الإنفاق الحكومي الذي سيعمل على دعم الاستثمار وإنفاق المستهلك. كما أن مخاطر حدوث صدمة مالية خارجية من أوروبا أو أي مكان آخر على القطاع المالي الخليجي تبدو محدودة، إذ تتمتع البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي بالسيولة ورأس المال الكافيين، كما أن الانكشاف المباشر على مشكلة الدين السيادي في منطقة اليورو ضئيل جداً.
وتوقع التقرير الاقتصادي الفصلي الذي يصدره اتحاد غرف دول المجلس أن يسجل الإنفاق الحكومي لدول المجلس معدلات زيادة بنسبة 14% وهي نفس معدلات العام الماضي، كذلك من المتوقع أن يستمر نشاط القطاع الخاص بالانتعاش في أنشطته، حيث تؤكد المؤشرات بأن القطاعات غير النفطية باتت تلعب دورا محركا للنمو الاقتصادي، لذا وفي ضوء زيادة الإنفاق وارتفاع أسعار السلع عالميا وتعافي قطاعات اقتصادية متنوعة، يرجح أن يرتفع معدل التضخم خلال عام 2013 ليبلغ متوسطه 3.5 %، مقارنة بـ 3.2% في العام الماضي، الأمر الذي يتطلب من دول المجلس حاجة متزايدة لتوسيع طاقتها الاستيعابية وبالذات في مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاجتماعية لكي لا يؤدي التوسع في الإنفاق إلى ارتفاع مباشر في الأسعار بالنسبة للمستهلكين. وأوضح التقرير أنه ومع ارتفاع إنتاج النفط واستمرار توقع متوسط سعره عند 113 دولاراً للبرميل خلال العام 2013 ستشهد دول المجلس عاماً آخر من الفوائض المالية وفوائض الحساب الجاري. ومن المتوقع أن تبلغ نسبة تلك الفوائض 16.5% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة ككل عام 2013، وسيعمل ذلك على استثناء المنطقة في عام من التقشف والعجز المالي في مناطق أخرى بالعالم. ولكن التقرير اشار إلى أن هناك تحد رئيس لدول التعاون، يتمثل في كيفية استثمار تلك الفوائض بأمان في ضوء المستقبل غير الواضح للاقتصاد العالمي.
استقرار أسواق النفط العالمية
وقال التقرير إن دول المجلس التعاون تلعب دورا حيويا في استقرار أسواق النفط العالمية، حيث إنها تمتلك 40% من الاحتياطيات النفطية المكتشفة و23% من احتياطيات الغاز العالمية. وتسهم دول المجلس في استقرار أسواق النفط كونها تعتبر أكبر مصدر للنفط وبنسبة 25% من إجمالي الصادرات العالمية. كما أنها بدأت في تطوير صناعات مرافقة ومصاحبة لإنتاج النفط كالصناعات البتروكيماوية. ويتوقع أن تبلغ صادرات دول المجلس من السلع والخدمات 832 مليار دولار عام 2013 بالمقارنة مع 850 مليار دولار عام 2012. بينما تبلغ الواردات 590 مليار دولار عام 2013 بالمقارنة مع 578 مليار دولار عام 2013.
وتؤكد هذه المؤشرات بقاء الأضواع المالية لدول المجلس عند مستويات جيدة مع مخزونات الاحتياطات الكبيرة التي تمكنت هذه الاقتصاديات من تكوينه. فبالرغم من أن اقتصاديات دول المنطقة عانت من تداعيات الأزمة المالية ومن آثار تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، إلا أن الاستجابة السياسية للسلطات، والاحتياطيات الدولية الضخمة، واستمرار الإنفاق الحكومي الاستثماري؛ ساهمت في تعزيز مناعة اقتصاديات المنطقة لآثار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
أسواق العمل الخليجية
وركز التقرير على أهمية معالجة وضع أسواق العمل الخليجية، حيث يتطلب ذلك وجود برامج متوسطة وطويلة الأجل لإعادة هيكلة الأنشطة الاقتصادية لخلق المزيد من الأنشطة المولدة للقيمة المضافة العالية والتي توفر وظائف مجزية للمواطنين. وقال إن أبرز العوامل التي تؤدي إلى إضعاف قدرة القطاع الخاص على امتصاص الأيدي العاملة الوطنية وعلى الأخص تلك المتدنية أو المتوسطة المهارة منها، يتمثل في تدني مستوى الأجور، ذلك أن تحديد الأجور يتم حاليا بواسطة الأداء الذاتي لآليات السوق وعوامل العرض والطلب ونتيجة لندرة الأيدي العاملة في دول الخليج، إضافة إلى عامل ثان حد من فعالية ونتائج برامج الاحلال والتوطين في دول مجلس التعاون وهو محدودية توافر المهارات والمؤهلات المطلوبة لدى الباحثين عن العمل، وقد بينت بعض الإحصاءات الصادرة عن وزارات العمل والشئون الاجتماعية الخليجية أن 70% إلى 90% من إجمالي الباحثين عن عمل هم من فئات غير مؤهلة للعمل لعدم تلقيهم التدريب المناسب. كما أن الإسراف الزائد في استقدام العمالة الأجنبية وضعف وسائل مراقبتها وتنظيمها، حيث فرضت طبيعة الأنشطة الاقتصادية الاعتماد المتزايد على جلب أعداد كبيرة من العمالة الرخيصة غير المدربة، فغرقت الأسواق بفائض من العمالة الهامشية أو بعمالة تعمل بصورة غير قانونية، واعتمدت الكثير من المنشآت على الاستخدام الكثيف للعمالة الآسيوية الرخيصة وقد امتد ذلك ليشمل قطاعات واسعة ومجالات عمل حرفية وخدمية عديدة.
موازنات قياسية لدول المجلس
لقد باتت حكومات دول المجلس وفي ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية الراهنة أكثر حاجة لسياسيات محفزة للنمو الاقتصادي، وإعادة التوازن للاقتصاد من خلال توفير السيولة لمشاريع القطاع الخاص، وتوجيه الإنفاق بصورة أكبر نحو المشاريع المولدة للوظائف وتنويع مصادر الدخل، مع مواصلة إصلاحات سوق العمل ومكافحة الفساد.
وقال التقرير: إن دول المجلس وضعت موازناتها السنوية للعام 2013 بناءً على تقديرات حددت بموجبها سعر برميل النفط عند 70 - 80 دولاراً تقريباً، في الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى أن متوسط سعر برميل النفط للعام الجاري سيبلغ 113 دولاراً للبرميل، لذلك فإن موازنات دول المجلس ستحقق فائض للعام الجاري يقدر بنحو 65 مليار دولار. ولفت التقرير إلى أن إقرار موازنات قياسية لدول المجلس يتيح إمكانيات كبيرة أمام تنفيذ الكثير من المشاريع وتنشيط الأوضاع المالية والاقتصادية في دول المجلس، حيث يتوقع تنفيذ مشاريع بقيمة 60 مليار دولار في العام الجاري خاصة في مجال البنية الأساسية في كافة البلدان.
وتحدث التقرير عن السياسات النقدية وسعر صرف والاستثمارات الأجنبية، حيث ستؤدي الزيادة الكبيرة في الفوائض المالية مع التنويع في الاستثمارات من قبل الدول المصدرة للنفط إلى زيادة كبيرة في الاستثمارات الخارجية (الاحتياطيات الأجنبية، استثمارات الصناديق السيادية، الموجودات الأجنبية للبنوك) لكي تبلغ 3.3 تريليون دولار عام 2014، مقابل خصوم أجنبية مستثمرة في هذه الدول بقيمة 0.5 تريليون دولار.