بعد سنوات من الجدل الإيجابي بين وزارتي التعليم العالي والثقافة والإعلام، حول من هو الأحق بتنظيم معرض الرياض الدولي للكتاب، وبعد أن غرست التعليم العالي بذرته الجميلة، ورعت نبتته المبكرة، استكملت وزارة الثقافة والإعلام الطريق، وبات المعرض قبلة المهتمين بالكتاب والفعل الثقافي، من مؤلفين وقراء وناشرين، من الداخل والخارج، فلا أحد ينكر دور التعليم العالي في تنظيم المعرض، منذ أن كان يقام في بهو جامعة الملك سعود، وحتى تنظيمه بواسطة الثقافة والإعلام في مركز المعارض بالمروج، ثم مقره الجديد في أرض المعارض، واستمر المعرض يحاول أن يقدم الجديد من دورة إلى أخرى، وبقيت الملاحظات تزداد، لأن الطموح يكبر، خاصة أن الأحلام تتحقق من عام لآخر.
كنا نأمل أن تشارك دور نشر أجنبية، بلغات مختلفة، في المعرض، فتحققت هذا العام مشاركة بعض دور النشر الأجنبية، خاصة اللغة الإنجليزية، التي تعتبر إحدى لغات التعليم العام منذ سنوات طويلة، فضلاً عن انتشار المدارس العالمية في الداخل، التي تستخدم اللغة الإنجليزية فقط في جميع مراحل التعليم العام، بالإضافة إلى الأجانب في المملكة، وكذلك الجيل الجديد الذي تعلم اللغة في الداخل، أو هؤلاء الشباب العائدين من رحلات ابتعاثهم إلى الخارج.
صحيح أن المعرض يعاني في السنوات الأخيرة بسبب ضيق المساحة، وذلك لكثافة رغبة المشاركة من قبل دور النشر العربية، ولعل إضافة أقسام أجنبية سيساهم في الضيق الذي يعاني منه المعرض، ولكن أعتقد أن الحل السريع هو أن تستبعد أجنحة دور نشر الأطفال، وأن تقلَّص مساحات أجنحة المؤسسات الرسمية، التي لا تحتاج إلى أكثر من مترين في ثلاثة أمتار، خاصة أنها لا تقدم سوى كتيبات تعريفية عن نشاط مؤسساتها، لا أكثر. على أن تمنح دور نشر الطفل معرضاً خاصاً بها، يتم تنظيمه بالتزامن مع يوم الطفل العالمي، أو يوم الطفل العربي، وتتوسع فيها مشاركة جميع الجهات والمنظمات المهتمة بحقوق الطفل، فضلاً عن دور النشر المتخصصة في الطباعة والنشر لكتب الأطفال.
هناك الكثير من الخطوات التي يمكن تنفيذها في معرض الرياض، وذلك بالاستفادة من معارض الكتب العالمية، في فرانكفوت، لندن، ونيويورك، فهناك تقاليد نشر وحقوق، وتوقيع عقود بملايين الدولارات، وتبادل خبرات ومنافع فيما بين الناشرين، لا تتوفر في معرض الرياض، وغيره من المعارض العربية الأخرى.
كثيراً ما أسأل نفسي، متى نتخلص من كون معرض الرياض للكتاب مجرّد خزانة أو محل ضخم لبيع الكتب؟ نحن نحتاج فعلاً إلى أن يكون المعرض فرصة نادرة لتنظيم ندوات وحوارات مباشرة، في منصات صغيرة داخل المعرض وبين دور النشر، وكذلك حفلات توقيع تتم داخل أجنحة المعرض، لا أن تكون خارجها، فلعل أكثر ما يصيب بالخيبة، أن روّاد المعرض هم متسوقون يأتون لشراء الكتب من الصالة، بينما الصالة التي تلقى فيها المحاضرات هي صالة جانبية، لا يمكن أن يعرف عنها أحد ما لم يقصدها!.
أتمنى أن تقرر إدارة المعرض منذ الآن، بأن توجد لجان ثنائية مشتركة مع إدارات معارض فرانكفورت ولندن ونيويورك، والسعي إلى كسب الخبرة من تجاربهم، وجعل معرض الرياض للكتاب منارة المعارض العربية في التنظيم والعمل الاحترافي، وألا يكون الأعلى بيعاً ودخلاً فحسب.