يقول الخبر الذي نشرته هذه الجريدة الأربعاء الماضي : (حملت اللجنة الوطنية للنقل البري تأخير وزارة النقل لمشروع مطور للأجرة العامة. وقال رئيس اللجنة سعود النفيعي لـ»الجزيرة» عرضنا نموذجا لتاكسي مطور للأجرة العامة على وزارة النقل منذ أكثر من عامين واطلع عليه الوزير شخصيا إلا أنه لم يصل لنا رد رغم أننا خاطبنا الوزارة وطلبنا منها تزويدنا بملاحظاتها على النموذج لتعديلها حتى نخرج بنموذج يرقي بالخدمة وبمكانه المملكة) .. انتهى الخبر.
هذه اللجنة التي يرأسها الاستاذ النفيعي تابعة لمجلس الغرف التجارية، أي أنها شبه رسمية، ما يجعل (تطنيش) وزارة النقل غير مبرر في الوقت الذي تعاني فيه مدننا من تدني خدمة سيارات الأجرة، خاصة إذا ما قارنا هذه الخدمة بمثيلاتها في دول الخليج.
وزير النقل الموقر أو أحد وكلائه لا بد أنهم زاروا دبي - مثلاً - واستعملوا سيارات التاكسي ورأوا المستوى الراقي والمتميز لهذه الخدمة هناك، فلماذا لا نجد مثل هذه الخدمة بذات المستوى لدينا؟ .. السبب أن المسؤولين في وزارة النقل بصراحة غير مهتمين، ولا يكترثون بالأزمة التي نتجت عن تدني مستوى هذه الخدمة، ناهيك عن المستوى (المعيب) لعربات التاكسي ونظافتها ومظهرها وفوضويتها و عدم انضباط سائقيها بالأنظمة والقوانين .. مسئولو لجنة النقل البري في الغرف التجارية يقولون : حاولنا، وكتبنا، وعرضنا، واقترحنا، وكأن لسان حالهم يقول : لم يبقَ إلا (أن نطقها بكوة)، ولم تجد هذه المحاولات آذاناً صاغية من أركان وزارة النقل.
وزارة النقل ليس مطلوباً منها إعادة اختراع العجلة، فهناك تجارب ناجحة ومتميزة في الخارج في هذا المجال الحيوي الهام، وما على قيادات وزارة النقل إلا الاقتداء بإحدى هذه التجارب المتميزة هناك، ومن ثم نقلها إلى هنا، فالتطبيق لا أكثر، أي (نسخ ولصق فقط)، غير أن مثل هذه الحلول البسيطة والمتاحة هي حتى اللحظة تعتبر حلولاً (مستعصية) في معايير وزارة النقل، والسبب لا يعلم عنه أحد، وتُصر الوزارة على أن تُبقيه سراً من الأسرار، فلا هي التي حلّت المشكلة، ولم تترك لمن يهمه الأمر ويعنيه - كمجلس الغرف التجارية مثلاً - أن يُساهم في الحل.
وأرجو ألا يغضب عليَّ وزير النقل و وكلاؤه إذا قلت: إن وزارة النقل تعتبر من أكثر الوزارات الخدمية في بلادنا تقصيراً ولا مبالاة وتطنيشاً، وعدم تفاعل مع مشاكل النقل العام في المملكة، يُثبت ذلك عدم قدرتها على مواكبة تحديات النقل والمواصلات داخل المدن الكبرى؛ فلو اهتمت وزارة النقل بهذه الخدمة، وارتقت بها، وعملت على تطوير هذا القطاع مبكراً، لحلت كثيرا من مشاكل النقل لدينا، ويأتي على رأس هذه المشاكل مُحاصرة حوادث نقل المعلمات إلى المناطق النائية خارج المدن، والتي أصبحت حوادثها المتكررة والمؤسفة من الظواهر المتفاقمة؛ فمن النادر أن يمر أسبوع لم تنقل لنا الصحف حادثاً أو أكثر تعرضت لها عربةٌ تُقل المعلمات إلى القرى والأرياف.
المدن في المملكة، خاصة الرياض وجدة، تُعاني من أزمة نقل مرورية خانقة؛ فالرياض - مثلاً - ربما أنها المدينة الوحيدة في العالم التي يسكنها في حدود الخمسة ملايين نسمة، ولا يوجد فيها باصات نقل عام .. تسأل عن السبب، فيقولون : ابشروا بالخير، (المترو) قادم، وما عليكم إلا الصبر والانتظار؛ طيب وماذا عن النقل العام أو الجماعي: لماذا لا يُفعّل ويُدعم مالياً لتنتظم خطوطه داخل المدن، فلا تجد من يُجيبك، وكأن هذه الاختناقات المرورية التي تخرج الإنسان من طوره، وتُسقيه كل صباح ومساء كؤوساً من الضجر والضغوط النفسية لا علاقة لوزارة النقل بها.
الآن، رئيس اللجنة الوطنية للنقل البري في مجلس الغرف أشار بإصبع الاتهام إلى تقاعس وزارة النقل وعدم اكتراثها بتطوير هذه الخدمة؛ دعونا نرى ما هو رد الوزارة؛ فلعل لها عذراً ونحن نلوم!
إلى اللقاء