الناظر للواقع العربي من أول وهلة قد يُصاب باليأس والإحباط، خاصة إذا تابع معظم وسائل الإعلام المختلفة.
لكن بنظرة أكثر تفحصاً وروية يدرك أن ما يمر به العالم العربي، خاصة دول الربيع العربي، هو ميلاد ومخاض عسير، سيقود - إن شاء الله - لمستقبل مبهر ومشرق لمنطقة طالما مرَّت بمثل هذه الأحوال عبر حِقب تاريخية عدة.
هذا الحراك المضطرم في أجزاء كثيرة من عالمنا العربي لا يزال في طور التشكُّل والتخلُّق، ولا تزال شعوبنا العربية تمارس وتستوعب لأول مرة الديمقراطية والحرية وتداوُل السلطة، وكذلك تغيُّر شكل الدولة من حيث العلاقة بين الشعب والسلطة؛ حيث أخذ المواطن مكانة كبيرة في صناعة القرار للدولة.. وهي أمور لم نتعوَّد عليها من قبل، وستبلور في النهاية نموذجاً حضارياً فريداً، أزعم بأنه - بفضل الله - سيفوق أعتى ديمقراطيات العالم.
هذا الحراك مع ما تمتلكه هذه الشعوب من إرث ومخزون تاريخي وحضاري وثقافي سيعيد إنتاج الحضارة الإسلامية من جديد.
لا تزعجكم اختلافات الأحزاب والتيارات الفكرية والسياسية؛ فهذا أمر رائع، ويزيد من زخم الحياة الفكرية والحركة الإيجابية للمجتمع، لكن المهم والخطير الذي يجب وضعه في الاعتبار أن يكون الخلاف أو حتى النزاع مع مقدار من الاحترام والتقدير المتبادل بين جميع الأطراف بعيداً عن التشكيك أو التخوين.
ما أجمل ما سمعت وشاهدت من الدكتور أيمن نور الليبرالي والسياسي المصري المعروف - وهو مثل مضيء على ذلك في مصر - يحكي عن سيادة الرئيس المصري - وهو إسلامي الانتماء - ويتحدث عن دماثة خلقه، وتجاوُب الرئيس معه في أمر المعتقلين السياسيين. وذكَّر نور الرئيس بوجود بعض المعتقلين لم يُفرج عنهم، وعلى الفور قام الرئيس مرسي بإصدار أوامر مباشرة بالإفراج الفوري عنهم، وهو ما حدث.
نور لا يخفي خلافه واختلافه مع الرئاسة المصرية في كثير من الأمور، لكن الحق والتقدير والاحترام يجعل الاختلاف شيئاً رائعاً.
كذلك الخبر المفرح من البحرين عن انطلاق جولات للحوار الوطني بين أبناء الوطن، برعاية كريمة من جلالة الملك، وهذا يؤكد أن أبناء الوطن الواحد يستطيعون التوافق وحل مشاكلهم، ولا يحتاجون إلى وساطة.
وطننا العربي والإسلامي بحاجة ماسة إلى الرفق واللين، وإلى أخلاق نبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - وأخلاق صحابته الكرام، مشاعل النور في ظلمة الأحداث المحيطة بمنطقتنا الغالية.
باستطاعة كل فريق، أو حتى أي أحد، أن يوجِّه النقد ويمارس أشد وأقصى أنواع المعارضة والتعبير عن أفكاره، ولكن بأدب وذكاء واحترافية في المعارضة، سنصل إليها بفضل الله واهب هذه الأمة العزة والكرامة.
بعد هذه المرحلة التاريخية المهمة التي نمر بها من التجاذب والحراك المضطرب في منطقتنا سوف تنضج الأفكار، وتثقل مواهب وقدرات اللاعبين، ويتوحد العقل الجمعي لأمة عانت عقوداً من الحرمان والقهر والتفرقة.
قد يقول قائل: هذا كلام حالم وأضغاث أحلام. ونقول: في التاريخ تأويل رؤياي، وسيجعلها ربي حقاً بإذن الله تعالى.
لقد مرَّت أمتنا ومنطقتنا بمثل هذه الحالة في الفترة التي سبقت نور الدين محمود وصلاح الدين، وهناك تشابه كبير بين ما يحدث الآن وتلك الحقبة، وعوامل التاريخ والوحدة واللغة كلها تصب في مصلحة أمتنا وقهر الصعاب كافة التي تواجهها، والوقت جزءٌ من العلاج.
aly hassan2013@yahoo.com