تعتبر الهبة من مكارم الأخلاق، وصنائع المعروف. غالب من يبذلها أهل المكارم ومن بذل ماله للآخرين بغير عوض قد يجد في نفسه إن لم يحتسب الأجر والإحسان لذا يحسن أن نذكر الأدب في الهبة بين الواهب والموهوب له ليكتمل معناها وفائدتها التي من أجلها شُرعت:
1 - احتساب أجرها عند الله تعالى، قال الإمام أحمد لابنه: (يا بني انو الخير تكن في خير ما نويت).
2 - إظهار السرور وانبساط الوجه عند بذلها لتكتمل الفرحة.
3- تزداد الهبة قيمة إذا بذلها الواهب بذاته لما يقترن بها من شفقة وحب إيثار لا إذا دفعها مع رسوله.
4 - الدعاء بالبركة للموهوب له مما يشعره بأنها هبة عن طيب نفس، عن أم خالد قالت: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال: (من ترون أن نكسوا هذه؟) فسكت القوم. قال: (إئتوني بأم خالد) فأتي بها تحمل، فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال: (أَبْلي وأَخْلِقي) وكان فيها عَلَم أصفر فقال: (يا أم خالد هذا سناه) وسناه بالحبشية) رواه البخاري. فالرسول صلى الله عليه وسلم دعا لها بطول العمر حتى تُبلي الخميصة مع لطف بالكلام وثناء على اللباس بقوله سناه يعني: حسن.
5 - اللطف في الكلام والأفعال عند دفعها حتى لا تنقلب ضد مقصودها فقد يدفعها وقد ولًّى وجهه عن الموهوب له كأنه مكره أو يضعها عند بابه ويولي مدبراً فهذا لم يعط الهبة أدبها المشروع فالظاهر يعكس ما في الباطن.
عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما أنه قال: (قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعط مخرمة منها شيئاً، فقال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه لي، قال: فدعوته له، فخرج إليه وعليه قِباءٌ منها فقال: خبأنا هذا لك، قال: فنظر إليه فقال: رضي مخرمة) رواه البخاري.
6 - اختيار طَيّب الهبات وكلٌ هبته على قدره وسعة ماله (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) فقبيح بالغني والسلطان أن تكون هديتهما من سقط المتاع.
لو فرضنا أن الهدية لا تُحمل
إلا نهاية المطلوب
شق هذا على المقل ولكن
من صفاة الكرام جبر القلوب
7 - الوقت له أثر في قبول الهدية والهبة فاختيار الوقت المناسب يزيد في القبول والفرح وكذا الحال فمن الناس من يرغب أن يكون الإهداء إليه علناً ومنهم من يحبذ الخفاء فيحسن مراعاة التوقيت والحال.
8 - على الموهوب له أن يشكر الواهب داعياً له ومثنياً عليه فقولك جزاك الله خيراً وبارك الله فيك أو أخلف الله عليك ما وهبت وبارك الله لك فيما أبقيت من الإحسان إليه. أما إذا كان الواهب أباً أو أماً فالشكر لهما يتضاعف فحقهما تقبيل الجبين والدعاء كل حين.
9 - في تبادل الهدايا والهبات تزرع المحبة فينبغي للموهوب له أن يكافئ الواهب بهدية في وقت مناسب. وليس يداً بيد لأن هذا قد يشعر برد الهدية إلا إذا رأى أن الإهداء مباشرة مناسباً.
والثواب في الهدية أن يعطي من أهداه بدلها والأفضل أن تساويها قيمة أو تزيد.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقبل الله الهدية ويثيب عليها) رواه البخاري.
قال الشاعر:
إذا أهديت فاكهة وشاةً
وعشر دجائج بعثوا بنعل
ومسواكين طولهما ذراع
وعشرٌ من رديء المُقْل خَشْلِ
المقل: ثمر شجر الدوم، والخشل منه رديئه أو يابسه.
10 - على الموهوب له أن يحيي السنة بقبول الهدية ويتلافى ردها ما لم تكن علّة شرعية أو سبب يمنع قبولها فأنت تسمع من يرد إذا عُرضت عليه الهدية بأنه لا حاجة له بها كاسراً جدار المودة وزارعاً الفضاضة. فردها ليس من صفات أهل المكارم وهذا الصنيع هُجنة في العادة ووصمة على الواهب وأذية لقلبه. أما إن كانت الهدية من الوالدين فردها يتنافى مع وجوب البر وعدم العقوق.
11 - من زيادة شكر الواهب أن يعرض الموهوب له هذه الهبة على أهل بيته إن لم تكن خشية، ليعم الفرح ويزداد الدعاء. فرب دعوة صغير أو تقي تنْفُذُ فتفتح لها أبواب السماء.
12 - على الموهوب له إظهار السرور والفرح عند أخذ الهدية لإدخال السرور على نفس الواهب خاصة ما بين الوالد والولد إذ مقصود الشارع من الهدية إقامة سُبل المحبة والمودة.
13 - على الواهب ألا يحتقر قليل الهبة فربما وقعت موقعها فكانت خيراً من كثير من الهبات،. قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسِن شاة) رواه البخاري. الفِرْسِن: بكسر الفاء عظم قليل اللحم. ولا يخالجك الظن بعدم القبول أو احتقار الموهوب فكم فرِحاً مسروراً بالموهوب والتجربة خير برهان.
14 - على الموهوب له إحسان الظن بهدية أخيه مهما كان قدرها ما لم يتبين خلاف الظاهر. فرب هدية قليلة تقع موقعها أحب للموهوب له من كثير من الهدايا من غير جنسها فحقيبة لسفره عند حاجته أولى من هديتك إياه ثوباً مع وجود غيره وهكذا.
وفي حال إهداء الأبوين لولدهما يجب القبول مهما كان قدرها ما لم يكن محظوراً شرعياً كما لو أهدى الأب لولده صيداً برياً والولد محرماً بحج أو عمرة فلا يأخذه لأنه من محظورات الإحرام.أو أهداه خاتم ذهب وألزمه بلبسه فلا يقبله لتحريم الذهب على الرجال وغير ذلك.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى بعض أوليائه لا تنظر إلى قلّة الهدية وانظر إلى عظمة مهديها.
15 - على الواهب ألا يمنّ بهبته وهديته على الموهوب له لأن هذا من الأذى، بل لا يُذكّره بها فضلاً عن المنة والأذى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى}. لأن مثل هذا السلوك قد يحدو بالموهوب له ردها وقطع الصلة وهذا يخالف الغرض منها. والأب أحرى ألا يجعل هديته لولده ديدنه بالتذكير له فبدل ما تكون صلة تكون منفرة بينهما.
قال الشافعي:
منن الرجال على القلو
ب أشد من وقع الأسِنَّة
وقيل:
سخافة المرء تدرى في هديته
والنّوْك واللّؤْم فيها يظهران معا
إن اللئيم إذا أهدى هديته
أبدى نذالته فيها لمن سمعا
من تحلى في هديته بهذه الآداب عرف قدر ها وعظم شأنها في نفسه ووجد لها القبول وانشراح الصدر عند المهدى له اللهم وفقنا لأحسن الآدب وجملنا بجميل الأخلاق
والله الموفق.
- البكيرية