ما زلت أذكر بالخير أساتذة أفاضل، ومشايخ أجلاء، علمونا في المدارس، والمعاهد، والجامعة، وكانوا قمة في العطاء، وقمة في الخلق، نذكرهم فندعو لهم. اتفقوا في التضحية والإخلاص، وتباينوا في القسوة واللين، ولكن هيبتهم واحترامهم مفروضة من خلال تقديرهم، أو الخوف منهم، ومن يقف خلفهم من إدارات حازمة جعلتنا لا نسير في شارع يسير فيه المعلم خوفاً منه أو تبجيلاً له!
وسمعت من القصص وقرأت عن المآسي في الصحف، بل وشاهدت مقاطع عبر أجهزة التواصل الحديثة لاعتداءات على معلمين من قبل بعض الطلاب، مما يندى له الجبين، ويحزن كل عاقل يرى ما وصل إليه الحال في بعض المدارس من اعتداء على المعلمين، وعلى سياراتهم الخاصة، مما أدى إلى إدخال بعضهم العناية المركزة لمحاولة دهسهم بالسيارة، أو ضربهم بآلة حادة، وإحراق السيارات، ومحاولة إتلافها بالكامل. وكل ما مر بي موقف من هذه المواقف بخبر في صحيفة ورقية أو إلكترونية، ورأيت من هذه المشاهد المؤذية، عجبت لما وصل إليه الحال، بل وتأسفت لهذه التربية التي لم نشهدها في زمان مضى، وكيف أصبحنا نتحسر على حال المدرسين، بل وكما قال لي بعضهم - وهو يدرس خارج مدينته: نحن الآلاف في “غربة وكربة”، وأضاف: لم يعد المدرسون يسيرون بمفردهم في تنقلهم من مناطقهم إلى منطقة التدريس؛ لأن أحدهم لوحق حتى في الطريق، ولم ينقذه سوى أمن الطرق!
كنا نعتقد أن وسائل التربية الحديثة، وتعلم الوالدين، وتنور المجتمع، وتطوره، سيحد من بعض التصرفات الممقوتة والمرفوضة، وإذا بعقليات القطيع والتصرفات الجماعية السلبية تصبح عامة، ولم تعد في مكان دون آخر. ولن أتحدث عن أعمال فوضوية من التخريب داخل المرافق التعليمية، فهذا شأن آخر، ولكنني أتحدث عن ما يعانيه العديد من المعلمين من سلوكيات مشينة واعتداء على النفس والمال، وقد سجلت مراكز الشرطة العديد من هذه الاعتداءات خلاف ما ينتهي صلحاً داخل أروقة المدارس!
إن حفظ حقوق المعلمين وهيبتهم ينطلق أولاً من وزارة التربية والتعليم، ليس بإعادة الضرب في المدارس لا، ولكن بإصدار قرار حازم يحرم فيه من التعليم عاماً أو عامين كل من يتجرأ بالتطاول على المعلم، ويمنع حتى من التوظيف. وليس بالضرورة أن يتم التوقيف من قبل الجهات الخاصة، فهذا الحرمان من الدراسة والعمل أفضل وسيلة للحد من الظاهرة. الأمر الآخر العناية بالقيادات التربوية داخل المدارس باختيار نخبة ممن هم مؤهلون لإدارات المدارس، وكذلك الوكلاء، فشخصية مدير المدرسة تنعكس على سلوك الطلاب وأداء المعلمين.
كما لا نغفل أن بعض المدرسين يكون عرضة لردود الأفعال السلبية من الطلاب، وإن كان غير مبرر اعتداؤهم عليهم، لكن تصرفات بعض المعلمين للطلاب المراهقين، وكأنه في تحد معهم يوّلد الانتقام والتصرف السلبي، ويجب على المعلم تقدير سن المراهقة، والتعامل بأسلوب مناسب مع هذه المرحلة، فلا يكون رطباً فيعصر، ولا يابساً فيكسر، يأتي للطلاب مشفقاً ناصحاً، وإذا تطلب موقف الحزم أظهره، وفي موقف اللين يقدمه، والبعد عما يغضب الطلاب من السخرية عليهم بين زملائهم، أو تحقيرهم، أو تعمد رسوبهم، مع إعطائهم المحاولات لتحسين أوضاعهم، والبعد عن أسلوب النجاح والرسوب كوسيلة بقدر ما هي تربية وتعليم. كما أقترح الاستفادة من المعلمين السابقين للقيام بعقد دورات للمعلمين الحاليين قبل دخولهم ميدان التربية والتعليم.
alomari1420@yahoo.com