|
الجزيرة - د.حسن الشقطي:
يعتبر الإنفاق الحكومي على الصحة في المملكة من أهم أوجه الانفاق الحكومي، وخاصة أنها غير قابلة للتخفيض.. كما أنها متزايدة بتزايد السكان.. إلا أن الإنفاق على الصحة يعتبر معقدا ومتشابكا، فكثير من الأمراض عندما نقدر تكاليفها الصحية لا نصل إلى التكلفة الحقيقية.. فمثلا تكاليف أمراض السكري، لا تتمثل في تكاليف علاج السكري، ولكن تكلفتها الحقيقية يجب أن تمتد إلى تكاليف التبعات والآثار الاقتصادية الممتدة للسكري، فالسكري يتسبب في عشرات الأمراض الأخرى، مثل الكلى والقلب والعظام والعيون وغيرها.. وقد يترتب عليه جراحات لا حصر لها إذا لم يهتم الفرد بعلاج السكري.. إذن تكلفة السكري البسيطة المتمثلة في دفع تكلفة الكشف أو العلاج ليست هي التكاليف الحقيقية للسكري، ولكنها جزء بسيط منها. وسنسعى عبر هذا التقرير إلى رصد التكاليف الاقتصادية لمرض يعتبره البعض مرضا سهلا وغير مخيفا، وكلنا نأخذه مأخذ البساطة، وهو تسوس الأسنان.. ويعتبر علاج الأسنان من ضمن الأمراض الأعلى تكلفة على مستوى كافة دول الخليج، إلا أن هذه التكلفة لا تقتصر على تكلفة الكشف أو الفحص أو الجراحات، ولكن تمتد إلى تكاليف علاج الأمراض الأخرى التي تنتج عن أمراض الفم والأسنان.. كم هي التكلفة الاقتصادية لفاتورة تسوس الأسنان على مستوى الدولة؟ وهل هذه التكلفة هي تكلفة العلاج أم المكافحة؟
انتشار تسوس الأسنان على المستوى العالمي
تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى ما يلي:
• يعاني 60 إلى 90% من أطفال المدارس ونحو 100% من البالغين في جميع أنحاء العالم من تسوس الأسنان.
• تُسجّل لدى 15% إلى 20% من البالغين من ذوي الأعمار المتوسطة (35-44 سنة) حالات وخيمة من الأمراض التي تصيب دواعم الأسنان (اللثّة) وتؤدي، ربّما، إلى فقدان الأسنان.
• لا يملك نحو 30% من الناس من الفئة العمرية 65-74 سنة أسناناً طبيعية.
• معدلات إصابة الأطفال والبالغين بأمراض الفم أكثر ارتفاعاً بين الفئات السكانية الفقيرة والمحرومة.
• من عوامل الخطر المرتبطة بأمراض الفم اتباع نظام غذائي غير صحي وتعاطي التبغ على نحو ضار وتدني نظافة الفم.
• تتراوح معدلات وقوع سرطان الفم بين حالة واحدة إلى 10 حالات لكل 100 ألف نسمة في معظم البلدان. والملاحظ أنّ معدات انتشار هذا السرطان أكثر ارتفاعاً نسبياً بين الرجال والمسنين والفئات ذات المستوى التعليمي المتدني والدخل المنخفض.
الأمراض التي ترتبط بتسوس الأسنان
تشير الدراسات إلى أن هناك فئات وشرائح من الناس معرضين للإصابة بتسوس الأسنان أكثر من غيرهم، وهم مرضى تلف صمامات القلب، ومرضى القلب الوعائية، فضلا عن مرضى السكري، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). إلا إنه في نفس الوقت، فإن الإصابة بتسوس الأسنان نفسه، قد يتسبب في الإصابة بأمراض أو تداعيات صحية أخرى، حيث يشير تقرير (حسن صندقجي) إلى أن هناك دراسات تؤكد العلاقة بين تساقط الأسنان وارتفاع خطورة الإصابة بالخرف وتدهور القدرات الذهنية للدماغ .. كما أكدت أحد الدراسات إلى أن هناك ثمة علاقة واضحة ومهمة بين تساقط الأسنان وبين تدني قدرات الذاكرة، وأيضا الإصابة بالمراحل المبكرة من مرض الزهايمر.. وتشير نشرات كلية طب الأسنان بجامعة كولومبيا في نيويورك إلى أن أمراض التهابات اللثة وتداعياتها ترفع من خطورة الإصابة بأنواع أخرى من الأمراض في الجسم، مثل أمراض شرايين القلب والسكتة الدماغية وأمراض الكلى والولادة المبكرة للحوامل.
الإنفاق على أمراض الأسنان بالولايات المتحدة
في 2004م وصل حجم إنفاق الولايات المتحدة على أمراض الأسنان حوالي 81 مليار دولار مقارنة بحوالي 62 مليار دولار أنفقتها على أمراض السرطان.. وفي 2011م وصل إنفاقها على أمراض الأسنان إلى حوالي 108.4 مليار دولار، بمتوسط 346 دولار للفرد الواحد.
مدى انتشار أمراض تسوس الأسنان بالمملكة
تشير أحد التقديرات الحديثة إلى أن نسبة انتشار تسوس الأسنان بالمملكة تصل في المتوسط إلى (90%) وتزداد النسبة لتصل إلى 95% للأطفال من (6-7) سنوات.. وهناك كثير من الدول الأوربية وصلت حاليا إلى النسبة (صفر%) لانتشار التسوس، مثل السويد وبريطانيا .. وتعتبر دولتي المملكة والإمارات تقريبا من الأعلى معدلات في انتشار تسوس الأسنان على المستوى العالمي.وكشفت إحدى الدراسات العلمية لجامعة الملك سعود عن المملكة عن ارتفاع مستوى تسوس الأسنان في بعض مناطق المملكة مثل عسير وتبوك ونجران، بسبب انخفاض تركيز مادة الفلورايد في مياه الشرب في تلك المناطق.. وعلى العكس أظهرت الدراسة انخفاض معدلات التسوس في مناطق أخرى، مثل حائل والجوف والحدود الشمالية، نتيجة لارتفاع تركيز الفلورايد في مياه الشرب.. وتؤكد الدراسة على أن انخفاض مستوى الفلورايد في المياه المحلاة ومناطق توزيع المياه الحكومية يعتبر سببا رئيسيا للإصابة بتسوس الأسنان.
أما إحصاءات وزارة الصحة السعودية، فيشير (الكتاب الصحي السنوي) إلى أن عدد المراجعين من الأطفال لعيادات الأسنان للمراكز التابعة للوزارة في عام 1432هــ وصل إلى حوالي 96.8 ألف طفل.. أما من حيث المراجعين الذين أجروا أشعة داخل الفم، فقد وصلت بمراكز طب الأسنان بوزارة الصحة فقط إلى حوالي 204.6 ألف حالة، وهو رقم مرتفع وكبير.. أما حالات التقويم فقد وصلت بهذه المراكز إلى حوالي 125.9 ألف حالة.. ويمكن توقع أعداد مماثلة في مراكز طب الأسنان الأهلية التي يتحملها كثير من مراجعيها تكلفة الفحص والعلاج على نفقتهم الخاصة.
انخفاض التغطية التأمينية في تخصص الأسنان
رغم أن هناك شبه تغطية طبية شاملة بالمملكة حاليا سواء بالقطاع الحكومي أو الأهلى، إلا أن هذه التغطية تعتبر أقل ما يمكن بالنسبة لتخصص الأسنان، ففي غالبية الحالات ترتبط التغطية الطبية على الأسنان بسقف معين لا يمكن تجاوزه، قد لا يزيد عن ألف أو ألفين ريال سنويا للفرد الواحد، وهو سقف متدن لا يكفي لزيارة أو زيارتين بهما أي فحوصات أو أشعة أو تركيبات أو غيرها.
حجم الإنفاق الطبي على علاج الأسنان بالمملكة
لا توجد إحصاءات دقيقة تدلل على حجم هذا الإنفاق، ولكن بسهولة من خلال زيارات المراجعين بمستشفيات وزارة الصحة، نلحظ أن عدد الإجراءات الطبية لطب الأسنان بمستشفيات وزارة الصحة وصلت في 1432هـ إلى حوالي 1.3 مليون إجراء، ما بين جراحات أو تقويم أو خلع أو تركيب أو أشعة.. فلو افترضنا أن تكلفة الإجراء الواحد تصل في المتوسط إلى 500 ريال، فستصل إجمالي تكلفة علاج مراجعي مستشفيات وزارة الصحة فقط إلى 652 مليون ريال .. وحيث إن مستشفيات وزارة الصحة تمثل 30% من حيث عدد أطباء الأسنان، فإن إجمالي الإنفاق بالمملكة على طب وعلاج الأسنان سيعادل 2.1 مليار ريال.. وهو بما يعادل 5% تقريبا من إجمالي الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية بالمملكة.
مكافحة ألم علاج الأسنان
مما سبق يتضح أن المملكة تنفق سنويا في حدود 2.1 مليار ريال على علاج الأسنان، ولكن هذا الإنفاق سنوي ومتجدد.. ولنا أن نتساءل كم يمكن أن تصل قيمة هذا الإنفاق لو تم تطبيق برامج مكافحة متميزة أدت إلى القضاء على انتشار تسوس الأسنان؟ يمكن لأي برنامج مكافحة أن يكلف مليار ريال فقط، ولكن المليار سينفق مرة واحدة.. وبعدها سوف لن تكون هناك حاجة إلى إنفاق سنوي على العلاج، أي أنه خلال 10 سنوات، فإن إنفاق مليار ريال مرة واحدة يمكن أن يساعد على تقليل نفقات العلاج إلى النصف، وبالتالي يوفر على الدولة ما يناهز 10 مليار ريال خلال 10 سنوات.
* مستشار اقتصادي
- Dr.hasanamin@yahoo.com