ها أنا قابع لوحدي في هذا المكان المقفر.. منذ زمن متطاول وأنا أتمنى شبح إنسان يؤنس وحشتي.. يجلس إليّ.. يصغي إلى كلماتي.. أبثه هواجسي.. يشاركني همومي ولواعجي..
ما أقساك أيها الزمان! من يصدق ما صنعته بي؟ ها هي بصماتك الواضحة غيرت جلدي البض وعبثت فيه..
أين ذاك الإهاب الناعم الذي كان يسر الناظرين؟
سقى الله زمانا كنتُ سيده وصاحب الحظوة فيه.. ليتني هلكت قبل أن أقاسي الذل والهوان الذي أحياه الآن..
كيف لي أن أهنأ بعيش وقد قّدم غيري ممن ليسوا أهلاً للتقديم؟..
هل من الممكن أن تحدث معجزة ويعود إليّ ذاك البريق؟ وتعود لي الصولة والجولة؟ وأعود مبجلا كما كنت؟
هل حقا يجهلون قيمتي أم يتغافلون عنها؟ هل وجدوا عند غيري أفضل مما لدي؟ ألا يدركون الكم الهائل من المعارف والفنون التي يحويها عقلي.. ألا يدرون أن الطريق للعلا والمجد تأتي من عندي وبرعايتي وكسب رضاي وودي؟
يبدو أني هرمت واقتربت منيتي وإلا فما معنى العرف الذي بات ينبعث من جوانبي؟ هل بدأ الفساد يدب في أوصالي؟ هل بدأ التحلل ينتظم أجزاء مملكتي؟..
لي أمنية واحدة قبل أن أموت: أن يأتي من يشعرني بالحب والأمان.. أن يربت على ظهري ويمسح على رأسي بحنان.. أن ينفض عني غبار النسيان.. أن يهدهدني كطفل وديع.. أريد أن أشعر لحظة واحدة باهتمام يضاهي ما تعودته أيام عزي وسؤددي.. قبل أن تغرب شمسي إلى الأبد..