وفق رصد قضائي دقيق في أمريكا وجد القاضي “جوزيف ساباث “ وهو من قضاة شيكاغو وبعد أن فصل في أكثر من أربعين ألف حالة طلاق أن التوافه وراء كثير من حالات الطلاق. يقول ساباث “إنك لتجدن التوافه دائماً وراء كل شقاء يصيب الزواج”، أمر تافه يؤدي إلى تفاقم المشاكل وتراكمها لتتحول مع مرور الزمن إلى جبل عظيم يستحيل التعامل معه. قذف كلمة غير لائقة لحظة غضب بوسعها أن تشعل أجواء المنزل وتفتح الملفات المغلقة ليتبادل الزوجان التهم الجاهزة فتكيل الزوجة لزوجها تهم التقصير وقلة الاهتمام واللامبالاة فيقوم بالرد عليها لأنه وفق تربيته لن يسكت ولن يتغاضى وإن سكت فسينظر إلى نفسه أنه ليس برجل لذا سيرد لها الصاع صاعين فيعيرها في لبسها وشكلها وكسلها وخروجها المستمر، وقد تتطور الأمور لمزيد من التلاسن الذي قد يؤدي إلى التشابك والعنف لأن أحدهما قد انزلق لسانه ووقع في المحظور فسب وشتم عائلة الآخر واتهمهم بسوء تربية الأبناء والبنات أو احتقرهم لفقرهم أو قلة حيلتهم أو وضعهم الاجتماعي وهكذا.

توافه وجزئيات صغيرة تحول حياة مستقرة وهادئة إلى جحيم لا يطاق. يقول ديل كار ينجي “إن الصغائر في الحياة يسعها أن تسلب عقول الأزواج والزوجات وتسبب نصف أوجاع القلب التي يعانيها العالم”. في بداية هذا الأسبوع اتصل بي قريب يستنجد وقد نشب خلاف حاد مع زوجته حضرت مسرعاً وكنت أتوقع أن حدثاً جللاً قد وقع وعندما سألت عن السبب الذي أشعل الفتيل وقدح الزناد اتضح أنه تافه لدرجة أنه لا يستحق التوقف معه ولو لبرهة من الزمن فبكاء الطفلة أزعج الأب والأم ردت بطريقة غير مقبولة لدى زوجها فنشأ شجار لم يكن ليحدث لو أنهما حكما العقل وعالجا المشكلة لتنتهي في وقتها، وأثناء حديثي معهما فتح كلاهما الملفات القديمة تقول له أنت فعلت ولم تبق ولم تذر، ويرد أنتِ لم تدعي شيئاً إلا وفعلتِه، أظهر تقصيرها في البيت بسبب عملها وأظهرت تراخيه عن واجباته بسبب خروجه المستمر، لحظات من التهدئة والدعوة للمصالحة والوعد بحل المشاكل جعلتنا ننهي الصراع ونعيد المياه لمجاريها ولو أنهما أصرا على العناد لأنهيا حياتهما بصورة مأساوية. ما حدث لهذا القريب يمكن تفسيره من خلال قاعدة 10-90 يقول ستيفن كوفي صاحب هذه القاعدة “إن 10% من الحياة يتشكل من خلال ما يحدث لنا والـ90% من الحياة يتم تحديدها من خلال ردود أفعالنا”، بكاء الصغيرة شكل 10% بينما ردود أفعال الوالدين حددت 90% فتضخيمهما للحدث كاد يؤدي إلى نتائج وخيمة، النسبة الضئيلة فرضت عليهما والنسبة العظمى يملكانها، عندما يأتي رد الفعل متهوراً مجنوناً يعصف بكل شيء، وعندما يأتي منضبطاً عقلانياً هادئاً ينتهي كل شيء، فالتعامي والتغاضي عن التوافه والصغائر يجعل المركب يسير بهدوء. من التوافه أن تصنع مشكلة عظيمة لمجرد كسر كوب ماء أو تأخر شخص ما بإحضار طلب معين.

لن أسرد كلاماً إنشائياً، وإنما من تجربة أقول لا تهتم بالصغائر وتعطيها أكبر من حجمها، ودعها تطير في الهواء فسرعان ما تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي.