«قررنا مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضوا، اعتبارا من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية......من حقنا عليكم الرأي والمشورة وفق ضوابط الشرع وثوابت الدين» هذه المقتطفات، من خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله- في مجلس الشورى العام الماضي. العودة لهذا الخطاب التاريخي الذي له دلالات ومعانٍ عميقة وربطه بقرار تعيين 30 عضوة وبنسبة تمثيل عالية لا تقل عن 20% من الأعضاء وبنسبة تمثيل تجاوزت العديد من برلمانات الدول العالمية عريقة الديمقراطية ومدعية إشراك المرأة في صناعة القرار والتشريع، أمر مهم وهو ما أحاول أن أسلط الضوء عليها في هذا المقال المقتضب.
الإرادة السياسية العليا المتمثلة في دخول المرأة عضوة في مجلس الشورى جاءت منطلقة من ثوابت ديننا الحنيف الذي هو مرتكز هذه البلاد المباركة، ومتماشية مع التطور السياسي والاجتماعي للمجتمع السعودي وبشكل متدرج، ومواكبة لمتطلبات الإصلاح الاجتماعي الذي يحقق استقرار المجتمع ويحافظ على وحدته الوطنية منذ توحيد هذه الديار على يد الملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه-، حتى أصبح المجتمع أكثر وعياً وتقبلاً في أهمية دخول المرأة جميع مؤسسات الدولة، وازدادت وتيرة دمجها في تلك المؤسسات في عهد الملك عبدالله من خلال قراراته الجريئة والحاسمة المبنية على فهم دقيق للواقع المحلي والعالمي ومستوعب للمتغيرات السياسية والحضارية. فالمرأة - في عهده - انتقلت من المحلية إلى العالمية، فأصبحت مشاركة وفاعلة في عدة مجالات دولية منها الثقافية والعلمية والطبية والإعلامية والسياسية...إلخ، وتوج توجهه الإصلاحي في إدخال المرأة في مفاصل الدولة المهمة كشريك أساسي، والتي منها قراره التاريخي الذي يمنح المرأة عضوية مجلس الشورى ودخول الانتخابات البلدية، بعد التشاور مع الكثير من علمائنا الأفضل الذين أيدوا هذا التوجه.
الملك عندما منح العضوية الكاملة للمرأة في المجلس، كان نابعاً من ثقته في قدراتها وجدارتها ونضجها العلمي والفكري والثقافي والإداري، ورسالة للآخرين أن ديننا الحنيف لا يقف عقبة في دخول المرأة المسلمة في جميع مناشط الحياة.
الملك بخطابه منح المرأة صلاحيات المشاركة الكاملة في المجلس للنهوض بمسؤوليات الوطن ومواجهة التحديات في المجلس نفس الممنوحة لزميلها الرجل، فكلهما شركاء في المسؤولية وصناعة القرار في سبيل تنمية وتقدم وطنهم .
فحري بالعضوة الكريمة- التي بدأت تمارس مهامها في المجلس- أن لا تحصر نفسها في إطار معين، وأن تمارس حقها الشوري من خلال مشاركتها الفاعلة في اللجان المتخصصة ومداخلاتها في جميع المواضيع تحت قبة المجلس مع تركيز طرحها في مجالات تخصصها وخبراتها ليكون واقعيا ورأيا أكثر قابلية، فنحن بأمس الحاجة لتقنين المداخلات، فمداخلة جريئة مبنية على حقائق علمية وواقعية ومعدة إعدادا جيدا مستوعبة حاجة الوطن والمجتمع، أفضل بكثير من المداخلات التي منها وليدة اللحظة ولا تمس الموضوع بصورة مباشرة أو تركز على هوامش الموضوع لا صلبه.
ما يتوقع من العضوة الكريمة أن تسهم بفاعلية في سن الأنظمة ومراجعة الحالية منها لتطويرها وتحسينها واستصدار القرارات النوعية في سبيل التغلب على المعوقات التي تعترض مسيرة الأسرة والمرأة السعودية التنموية بشكل خاص.
الملك- حفظه الله- عندما عين تلك النخبة اللائي يقف وراءهن تاريخ مشرف مع العلم والمعرفة والخبرة عالية المستوى محليا وعالميا، لا يرضى قطعا أن يكون دورها صوريا (شكليا)، إنما تفاعليا مع جميع قضايا الوطن التي تطرح تحت قبة المجلس أو في لجانه، النابع من إيمانه الراسخ بقدرة المرأة السعودية في طرح الرأي السديد، وهو ما أكده في خطابه التاريخي وانعكس في حسن الاختيار. نسأل الله العون والتوفيق للجميع، إنه السميع المجيب.