من الضروري معرفة الإنسان العاقل لخطر التجمعات والمظاهرات والاعتصامات خاصة في بلاد الحرمين الشريفين- حرسها الله-، فبلادنا هي أطهر البقاع وأقدس الأراضي، وهي الوحيدة بين بلادنا الدنيا التي تطبق شرع الله على الجميع وشعارها الشهادتان.
ولا شك أن الأمن والاستقرار الذي تعيشه بلادنا- حرسها الله- هو مضرب المثل للدنيا كلها، والأمن والاستقرار هما بلا شك أهم النعم بعد نعمة الإيمان والإسلام, وصدق الله تعالى عندما ربط بين الأمن وخطر الشرك والكفر كما في قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} (35) سورة إبراهيم.
وعلم إبراهيم عليه السلام من ربه سبحانه وتعالى أنه وبدون الأمن ستنتشر الفتن والقلاقل والخوف وربما زاغ بعضهم عن دينه، قال معاوية- رضي الله عنه- «إياكم والفتنة، فلا تهموا بها، فإنها مفسدة للمعيشة وتكدر النعمة، وتورث الاستئصال»، ولا يشك عاقل أن الخروج في مظاهرات فتنة فاسدة مفسدة من عدة وجوه لعل منها
الإشكالات الشرعية: وتتمثل في أنها منهج بدعي فلم يرد عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد عانى وشدد عليه وتعب من مشركي أهل مكة وذاق منهم الأمرين وقتل من الصحابة والصحابيات من قتل فلم يخرجوا في مظاهرة أو مسيرة، كذلك في المدينة المنورة وقد عانى الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصحابته هناك فلم يكن هذا منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا منهج صحابته، ولكنه منهج وطريقة الكفار وقد نهينا ومنعنا من التشبه بهم وهي طريقة غريبة ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأوجب علينا ديننا وفرض علينا طاعة ولي الأمر وحرم علينا معصيته وجاءت الأدلة كلها في هذا الخصوص بوجوب السمع والطاعة، ولما فكر عدد من المسلمين في المدينة المنورة الخروج على يزيد بن معاوية بسبب فساده فمنعهم من ذلك عبدالله بن عمر وذكرهم بتحريم ذلك وأنه من أكبر المصائب والمحرمات.
وعن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال «من خرج من طاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية» وفي حديث آخر «من خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية».
إذا من الجهة الشرعية يجب أن نعلم أن هذه المظاهرات لم تأتِ بها الشريعة الإسلامية وهي بلا شك من دعوى الجاهلية، ولذلك ذكر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- «أن المظاهرات لا تمت إلى الشريعة بصلة ولا للإصلاح بصلة» . فالخليفة المأمون قتل العلماء الذين لم يقولوا بخلق القرآن وأجبر الناس على هذا الباطل ومع ذلك لم يسمع أن الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام اعتصم بمسجد ولم يخرجوا بمظاهرة ولم يطلبوا من الناس ذلك.
ولما سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- قال «لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج ولكني أرى أنها من أسباب الفتن والشرور ومن أسباب ظلم بعض الناس والتعدي على بعض الناس بغير حق ولكن الأسباب الشرعية في المكاتبة والنصيحة والدعوة إلى الخير بالطرق السلمية التي سلكها أهل العلم وسلكها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم».
لذلك فإن الذين يهيجون الشعوب على حكامها لتحدث الفتن والصدامات وتدمر الممتلكات وتراق الدماء في الطرقات وتسلب الأموال بسبب اختلال الأمن هم من أشد محاربي الله ورسوله، وكذلك هو تعاون على الإثم والعدوان، فمن أعان هؤلاء في أعمالهم وتخريبهم ومفارقتهم للجماعة بأدنى معاونة فهو شريكهم في حرابتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} (33) سورة المائدة.
وكذلك في المظاهرات تشبه بالكفار والغربيين وقد نهينا جميعاً من ذلك لأنه كما ورد في الحديث «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
كذلك هذه المظاهرات وما يصاحبها من إخلال في الأمن سوف يصاحبها هجر للمساجد والجمع والافتيات على ولي الأمر وهذا مخالف صريح لتعاليم ديننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم. ولا يشك عاقل أن للمظاهرات والاعتصامات كذلك أخطاراً اقتصادية غير أخطارها الشرعية لعل أهمها أنه من المعلوم أن أهم عامل من عوامل الازدهار الاقتصادي في أي بلد في العالم هو الاستقرار الأمني فمتى اهتز الأمن انهار الاقتصاد وهذا ما نراه في عدد من الدول حولنا.
كذلك من المعلوم أن دول العالم تعمد وتجتهد لجذب رؤوس الأموال الأجنبية لدفع عملية التنمية ونموها الاقتصادي فأي اختلال في الأمن سوف يجعل المستثمرين يتراجعون عن الاستثمار في بلادنا وسحب استثماراتهم القائمة لدينا.
ومن أخطارها الاقتصادية كذلك ترك العاملين لأعمالهم والتجار لتجارتهم وإهمال طلب الرزق وتضييع الأوقات فيما لا صالح به بل إثمه أعظم من نفعه بكثير وقد أمر المسلم بالحفاظ على وقته وأنه سيسأل عنه.
أما أخطار المظاهرات والاعتصامات الأمنية فحدث ولا حرج من تجمع للغوغائيين والفوضويين وإعطائهم الفرصة للتجمع والتجمهر مما يوجد جواً مثالياً للانحراف والجريمة أمثال المخدرات والخمور والشذوذ والسرقات وهذا التجمع لأهل الانحراف يفتح الباب لاختلاط أرباب الجريمة والانحراف بالناس باسم المظاهرة أو التجمع والتجمهر مما يخدم غاياتهم المنحرفة والفاسدة بالاختلاط بصغار السن أو النساء مما له الأثر الكبير في نشر الفساد والانحراف والجريمة والشذوذ والمخدرات وغيرها من الشرور والمحاذير ويستخدم هؤلاء هذه التجمعات كغطاء لأنشطتهم المنحرفة والإجرامية والتي لم يكن لهؤلاء فرصة لهذا الاختلاط لولا هذا الحشد الفاسد.
وكذلك هذه التجمعات تعتبر مكانا مثاليا لأرباب الإرهاب والفكر الضال والتكفير لطرح ونشر أفكارهم الإرهابية والتكفيرية والضالة خاصة بين صغار السن واستغلال النشوة التي يوجدها التجمهر لنشر هذه الأفكار الفاسدة والمنحرفة بلا حسيب ولا رقيب حيث إنه في أوقات الحشود والتي تتمثل بالمظاهرات والاعتصامات من وجهة النظر النفسية الجنائية يضعف أو ينعدم الفكر الفردي ويكون الإنسان خاصة الشاب تابعا وباحثا عمن يقوده ويسيره وهنا يأتي العقل الجمعي بدل الفردي ويكون الشاب تابعا طائعا لأوامر القائد والذي هو في أغلب أحيانه إرهابي أو تكفيري متمرس على هذه المواجهات ويأتي لهذا الحشد لتجنيد أتباع مطيعين له يحركهم كيفما يشاء للتدمير وللإفساد يقبلون بفكره ويساعده بذلك الجو العام للمظاهرة والتي أعطته فرصة لا تقدر بمال لنشر فكره الضال بين هذه الحشود المتهيجة والباحثة عن الإثارة والقيادة المنحرفة.
ومن أخطارها كذلك إتلاف للممتلكات العامة والخاصة , وكذلك تضييع وقت الجهات الأمنية وإشغالها عن مهامها الرئيسة من حفظ للأمن والاستقرار والقبض على المجرمين.
ومن أخطارها الاجتماعية الاختلاط غير المنضبط بين الناس بدون غاية الطيب والفاسد لا يوحدهم سوى هذا الاعتصام أو المظاهرة ولو خيّر هذا الشخص بمن بجواره لرفضه لفساد خلقه وكذلك نشر مثل أعلى منحرف لصغار السن خاصة من يحضر أولاده الصغار معه حيث يشاهدون وليهم العاقل يتحرك في الاعتصام بلا عقل ويطارد من قبل الأمن فأي صورة يرسم هذا عن نفسه لأولاده.
ولا يوجد شيء اسمه مظاهرة سلمية أو تغيير سلمي والواقع شاهد على ذلك فالأموال تتلف والأنفس تقتل والأعراض تنتهك ويستغل أهل الإجرام والعنف والإرهاب تلك الظروف لخدمة مصالحهم الخاصة ولو كان بتدمير وطنهم.
وهنا لا بد من أسئلة مهمة لأهل أبناء هذا الوطن الطيب فأين أصل السمع والطاعة ولزوم الجماعة وطاعة الإمام، وأين أصل لزوم الجماعة وسرية المناصحة.
وكذلك أصل اعتزال الفتن وتحذير الرسول- صلى الله عليه وسلم- من الفتن حيث قال : ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي...».
إذاً لهذه المظاهرات أخطار على عقيدة المسلم ولها كذلك أخطار أمنية كبيرة، فالعاقل من اتعظ بغيره ولم يدفع عقله لإنسان آخر ليفكر ويقرر له، خاصة من أصحاب الانحراف الفكري ومن أهل الفكر الضال والإرهاب ومن المجرمين والمنحرفين الذين همهم الأول إسقاط الأمن في هذه البلاد المباركة.
ولا شك أن الكثير من الناس هذه الأيام يحملون أحقادا وكرها وحسدا على بلادنا الطاهرة وهمهم تدمير هذه التنمية المباركة التي نعيشها جميعاً وهذا الأمن والاستقرار الذي نتفيّأ ظلاله في بلادنا الطاهرة وتحت رعاية والدنا الغالي خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة.
يجب أن نفوت الفرصة على صناع الإرهاب والانحراف ولنكون يداً واحدة من دولتنا وعيوننا مفتحة على أمن وطننا حيث إن كل فرد منا هو رجل أمن لهذا الوطن.
ولو لا قدر الله اهتز أمننا لساعات معدودة لرأينا عجباً من ملايين العمالة الأجنبية التي تجوب طرقاتنا على مدار الساعة لتظهر أحقادهم وإجرامهم وانحرافهم تجاه أبناء وطني الكرام.
ولرأيت لا قدر الله وطني الكبير والحبيب تلعب فيه الأهواء والعواصف السياسية والمصالح القبلية والتجاذبات الحزبية وكل يحاول أن ينهش في جسد هذا الوطن وهذه البلاد.
إذاً أدعو إخواني وأحبابي وأهلي الذين عرف التاريخ والحضارة عنهم الشجاعة والطيبة والمروءة أن يفوتوا الفرصة على الحاقدين على الوطن وأهله وألا يضعوا أنفسهم مكان الشبهة فإن الاشتراك في مثل هذه المظاهرات جريمة بكل ما تعنيه الكلمة ومعصية لله ولرسوله- صلى الله عليه وسلم- وإفساد في الأرض وانحراف في الفكر وفساد في السلوك.
ولننظر فقط ماذا جلبت المظاهرات للبلدان والمجاورة غير الدماء والأشلاء والسرقات في وضح النهار وانتهاك الحرمات والفساد والفجور.
فكم من بريء قتل وسفك دمه بلا سبب، وكم من حالة زنى وشذوذ جنسي حدثت، وكم من منزل ومتجر سرق نهاراً، وكم من مصنع دمر، وكم من مسجد هدم، وكم من منشأة أحرقت، وكم من مصلحة عطلت، كله لإتباع الغوغاء وضعاف العقول واللحاق بجماعات الفوضى.
ولا يعرف التاريخ مظاهرة جلبت خيراً أو دفعت شراً والتاريخ السياسي حاضرا قريبا فما زالت دول الجوار تكتوي بنار هذه المظاهرات والصخب والفوضى وكم يتمنى المواطن هناك نعمة الأمن والاستقرار والهدوء والسكينة والتي ننعم بها في بلادنا أعزها الله.
وهنا لابد من وقفة من علمائنا الأفاضل ببيان حكم المظاهرات والاعتصامات وأن يعاد ما ذكر من قبل وكذلك نشر فتاوى هيئة كبار العلماء في المملكة بهذا الخصوص بكل مسجد بمكان بارز وتخصيص خطب جمعة ببيان حرمتها بكل جامع , ونشر هذا الفكر في حرمتها وخطرها بالمدارس من خلال الاصطفاف الصباحي والإذاعة المدرسية , وكذلك استغلال المناشط الرياضية بوجود لوحات إعلانية كبيرة تبين خطر مثل هذه الأمور على المجتمع والوطن. ويجب أن يكون لكل موطن صادق يحب هذا الوطن وقفة صدق ومحاسبة لقطع أثر هذه الظواهر الدخيلة على مجتمعنا الفاضل وعلى الأقل الابتعاد عنها وعن مواطن الشبهة له ولأسرته ولأصدقائه وليكن كل منا معول بناء وحجر قوة لهذا الوطن.
وصدق من قال « لا تقل ماذا فعل وطنك لك ولكن قل ماذا فعلت أنت لوطنك»
أسأل الله تعالى أن يحفظ لنا ديننا ووطننا وولاة أمرنا ويحفظ أمننا واستقرارنا تحت رعاية ولاة أمرنا- حفظهم الله- للوطن وحفظ الوطن بهم.
- أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة والإرهاب - جامعة القصيم