لا أحد ينكر دور الأمانة العامة لمجلس التعاون منذ ثلاثين عاماً، حتى لو لم يكن في مستوى طموح شعوب دول الخليج العربية، فالأمانة قامت، وما زالت تقوم، بإنجاز القوانين والأنظمة في مجلته المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين هذه الدول، ويقوم على ذلك رجال منجزون، بدءاً بالأمين العام الدكتور عبداللطيف الزياني، ومساعديه، ومديري الإدارات، وحتى موظفي الإدارات التنفيذيين؛ فهؤلاء يعملون لأجلنا نحن شعوب المنطقة، لكن ماذا عنهم؟ وهل تحقق لهم ما يتحقق لموظفي القطاعات التي تنتمي للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية؟ هذا هو السؤال المهم، لأن كفالة حقوق هؤلاء ينعكس حتماً على أدائهم الوظيفي.
موظفو الأمانة العامة لمجلس التعاون لهم حكاية طويلة مع حقوقهم الوظيفية، ربما هي بطول عمر هذه الأمانة، ولا بأس من سردها سريعاً، فقد بدأ هؤلاء العمل في المجلس عام 1981م، دون استقطاع وظيفي يكفل لهم الحياة الكريمة بعد نهاية خدمتهم، فبادر الأمين العام السابق الشيخ جميل الحجيلان مشكوراً بتبني قضيتهم، والدفاع عن حقوقهم، فقابل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حينما كان ولياً للعهد، وشرح له هو ومن معه من القياديين بالأمانة، وضعهم من غير أمان وظيفي، وأنهم بلا استقطاع تأميني يكفل حياتهم بعد التقاعد، فأصدر -أيده الله- الأمر الكريم بضم الموظفين السعوديين إلى التأمينات الاجتماعية، وذلك منذ عام 1996م، ولكن ماذا حدث؟ أصبح يستقطع شهرياً 18% من الراتب، نصفها من الموظف، ونصفها الآخر من أمانة المجلس، ومع ذلك لم يعترض الموظفون بحثاً عن الوضع الطبيعي لهم بعد التقاعد، أسوة بغيرهم من موظفي القطاعين العام والخاص.
بعد هذه السنوات، اكتشف هؤلاء أنهم كانوا مستلبين، فهم وافقوا في البداية تحت وطأة الحاجة إلى استقطاع يحفظ لهم كرامتهم بعد التقاعد، ويكفيهم ذل الحاجة، ولكن هذا الاستقطاع كان مجحفاً، وغير منطقي، فما ذنب الموظف أن يدفع شهرياً 9% من راتبه الشهري، خلاف ما تدفعه الأمانة، وهي جهة عمله، من نسبة مماثلة، لأن الطبيعي أن تدفع جهة العمل فقط للتأمينات الاجتماعية عن موظفيها، وهي النسبة المعروفة 9% من الراتب الأساس، أما أن يدفع الموظف أيضاً نسبة مماثلة فهو ظلم واضح، يجب معالجته سريعاً بإعادة المبالغ المقتطعة من الموظفين جميعهم.
ما أعرفه أن الأمين العام الدكتور الزياني يتابع موضوع هؤلاء الموظفين بعناية واهتمام، بل حتى وزارة الخارجية ممثلة في ممثلها الدكتور أحمد الحمود -عضو المملكة في اللجنة المالية الممثلة من الدول الأعضاء- تسعى من أجل إعادة حقوق هؤلاء الموظفين، التي يكفلها لهم الشرع والقانون، ولعل تراكم هذه المبالغ هو ما يجعل من أمر صرفها متعثراً إلى حد ما، ولكن لو قامت اللجنة الموكلة بهذا الأمر بإقرار البدء بصرف مستحقات الموظفين المتقاعدين، خاصة وأنه لم يعد يربطهم بالعمل أي علاقة، بل بعضهم ممن استوفاهم الله، ورحلوا عن هذه الدنيا، فحقهم يجب دفعه فوراً لورثتهم، لأنه في حكم الدين لصالحهم، أما بقية الموظفين، ممن هم على رأس العمل، فيمكن الصرف لهم بواسطة أقساط ميسرة تضاف إلى رواتبهم الشهرية.
فمن حق هؤلاء الموظفين، في هذه المؤسسة العريقة، علينا أن نقف معهم في استعادة حقوقهم كاملة، وبأسرع وقت، وهو ما نتوقعه في بلاد يحكمها الشرع، والحقوق الشخصية، والأنظمة المدنية المختلفة.