تم طرح الفكرة.
تم استلام الطلب.
تم قبولكم.
إبراهيم عبدالله العمار
أتلاحظ شيئاً أيها القارئ في هذه الجُمَل؟ هناك شيءٌ غير مُحبَّب فيها، عامل مشترك بينها يجعلها ثقيلة على النفس ومملة لمن يتأملها. إذا لم تعرف فسأخبرك: تمَّ!
كلمة «تمَّ» هذه من الكلمات الدخيلة على الأسلوب العربي، وهي من أكثر الأشياء شيوعاً الآن ويراها القارئ في كل مكان، وهذه الكلمة ليست خاطئة في حد ذاتها، فإذا قيل مثلاً «تمَّ الأمر» بمعنى «كَمُلَ» فهذا لا بأس به، ومن ذلك «تمَّ البناء» أي اكتمل وخلا مما كان يَنقُصه، وإنما استخدامها المُفرَط في غير موضعها هو الذي لا يليق في نظري، فصار الناس الآن يخشون استخدام الفعل المبني للمجهول وهو أصحّ من هذا الاستخدام الكثير والمشين لكلمة «تمَّ»، فبدلاً من أن نقول «تم استلام الطلب» فالأصح أن نقول «استُلِمَ الطلب»، وبدلاً من «تم قبولكم» يَحسُن أن نقول «قُبِلْتُم»، ومكان «تم طرح الفكرة» فالأفضل وضع «طُرِحَت الفكرة»، فهذا هو الأسلوب الصحيح الذي تفعله العرب وليس كلمة «تم» هذه الدميمة التي اجتاحت كل الأساليب الكتابية لدينا، هذا ما أردت قوله وعليه تم التنويه!
وهذا يقودنا أيضاً إلى تلك الكلمة الأخيرة، وهي كلمة «تنويه»، فالأصل أن كلمة «تنبيه» هي التي تُستَخدم لكن صارت هذه الكلمة الجديدة مكانها، لا أدري لماذا، وقد يكون السبب محاولة تحاشي جانب القوة في كلمة «تنبيه»، فالتنبيه قد يكون لشيء خطير أو بالغ الأهمية مثل: «نود التنبيه إلى أنه يجب الابتعاد عن الغرفة الفلانية لأن فيها مواد كيميائية خطيرة»، بينما إذا أراد الشخص أن يلفت انتباه الناس لشيء أقل أهمية مثل أن تُعلِن شركة أو دائرة حكومية عن شيء ما ويضعون في الصحيفة أو في مقرّهم إعلاناً يبدأ بكلمة «تنويه»، أو أن يقولوا: «نودّ التنويه إلى أنه يجب إحضار الهوية الرسمية لاستكمال الإجراءات»، وهذا استخدام خاطئ لأن كلمة «تنويه» لا تعني التنبيه وإنما تعني الإشادة، فإذا أحسن موظّفٌ العملَ فإن الإدارة تُنوِّه به أي تشيد به وترفع قدره، وإذا قلتُ: لقد نوَّهتُ بأحمد، فهذا يعني أنني رفعت ذِكرَه وشهَّرتُه، والشركات دائماً تُنوِّه باسمها في العلاقات العامة والإعلانات أي تُقوِّي اسمها وتُعليه، فهذا معنى التنويه، أما الكلمة اليوم فصارت تُستَخدم استخداماً مغلوطاً والأصح أن توضع كلمة «تنبيه» في الأمثلة غير الصحيحة في الأعلى.
غير الاستخدام الخاطئ فهناك الحشو، ومن هذا كلمة «قام»، مثل «قام الرجل بتعبئة الاستمارة» أو «قامت اللجنة بدراسة جدوى المقتَرَح»، وهذه أيضاً من الغثاء الذي يعبّئ النصّ بما لا داعي له، والأسهل أن يقال «عبّأ الرجل الاستمارة» و»دَرَسَت اللجنة المُقتَرَح»، وهذا يريح ذهن القارئ من كلمات لا حاجة لها ولا تُضيف شيئاً أو تُفيد. في النهاية فإننا إذا أردنا أن نكتب شيئاً هاماً أو نريد إيصال رسالة فالبساطة دائماً هي الأفضل.
Twitter: @i_alammar