مــن الصفات السيئة عند بعض الناس التسرُّع في إصــدار الأحكام على أقوال الآخرين وأفعالهم دون تثبُّت ومعرفة للأسباب، إذ بمجرّد أي ردّة فعل يظن بهم الظن السيئ ويحكم على تصرفاتهم منذ الوهلة الأولى دون النظر في معرفة السبب الذي جعلهم يتصرفون معه هذا التصرف، سواء في مخالفة الوعد أو التأخر عن موعد أو غير ذلك، وما أروع التأنِّي وعدم الاستعجال في الحكم على عباد الله الذي سيقود الفرد إلى ما فيه الخير له! وقد قيل قديماً: (في التأنِّي السلامة وفي العجلة الندامة)، ومن يلتمس لإخوانه الأعذار يوفق في محبتهم له، ويسعد في حياته، والمرء لا يعلم الغيب ولا ما في صدور الناس ولا عن ظروف الخلق، وستر ابن آدم حياته، وكم هو جميل قول الشاعر الذي ينادي كل إنسان بأن يتأنّي ولا يستعجل في لوم صاحبه قبل أن يعرف ظروفه:
تأنَّ ولا تعجل بلومك صاحباً
لعلّ له عذراً وأنت تلوم
فلنفكر جيداً ونتعقّل ونلتمس لإخواننا الأعذار حتى وإن أخطؤوا، وهذا منهج السّلف الصالح بل منهج القرآن والسنّة وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين أخذوا الحق وكانوا به يعدلون ويحرصون على التماس الأعذار مع بعضهم، ولا يستعجلون في الحكم كما ربّاهم القرآن الكريم على ذلك، وكما قال بعض العلماء: (التمس لأخيك سبعين عذراً) ليس واحداً فقط بل سبعين، وهذه دعوة مني عبر هذا المنبر من خلال وجهة نظر جالت في خاطري وترجمتها بقلمي المتواضع، وأحببت أن أودعها في جزيرة الخير أوجّهها لكل عاقل مدرك وهبه الله عقلاً راجحاً وقلباً واعياً ونفساً رضية طيبة، أن يقف مع نفسه وقفة تأمُّل قبل أن يحكم على العباد وعلى تصرفاتهم، ملتمساً لهم الأعذار مبتعداً عن الشماتة بهم متذكِّرا أنّ الله مطلع عليه وقد يعاقبه بمعافاة المبتلى وابتلائه بما ابتلى به من شمت به والأيام دول قائلاً: (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضّلني على كثير من خلقه تفضيلاً)، وكم من شخص تعجّل في أمره وأصدر الأحكام على الناس وندم أشد الندم بعد أن فات الأوان، ولكن يبقى في العمر فسحة، وفي الدنيا الدروس والعبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، والله أسأل أن يرزقنا الحلم والأناة في كل شؤون الحياة.