أيام قلائل ويُكمل برنامج (الثامنة) للإعلامي والكاتب داود الشريان عامه الأول على قناة mbc، وهو البرنامج الحواري المباشر، الذي لقي صدى جماهيرياً وتفاعلاً اجتماعياً كبيراً من قبل المشاهدين، نظراً لطبيعة القضايا التنموية التي
يسلط الضوء عليها، والمشكلات الاجتماعية التي يطرحها، والمواجهة الإعلامية التي يجريها مع المسؤولين من ذوي الصلة بتلك القضايا والمشكلات، لدرجة أنه ابتكر طريقة ذكية في إحراج المسؤول المعني بالقضية عندما يمتنع أو لا يشارك في الحلقة، سواءً هاتفياً أو حضورياً بأن يضع اسم الجهة الحكومية التي يتبعها على كرسي شاغر حول الطاولة التي يلتف حولها الشريان مع ضيوف الحلقة، مع التنويه للمشاهدين بأن المسؤول لم يحضر أو أقفل جواله قبل بداية البرنامج. وبذلك يُدين المسؤول نفسه بهذا الغياب. وبهذا حقق برنامج (الثامنة) نسبة مشاهدة عالية كما قيل.
لكن نسبة مشاهدة البرنامج لم تعد ميزة، فالتفاعل الجماهيري معه بدأ يخبو ويفقد بريقه الإعلامي بشكل واضح، حتى أنه في حلقاته الأخيرة أشبه ما يكون بنافذة مصورة يتعرف المواطن من خلالها على قضية الرأي العام، أو مساحة حرة للمسؤول كي يبرر قصوره في التنمية، أو إخفاق إدارته أو جهته في مشروع معين. رغم أن هناك من يرى خلاف ذلك، معتبراً برنامج (الثامنة) محاكمة مباشرة مع المسؤول، فإن كان فاسداً فضح فساده، وإن كان مقصراً بان قصوره، وإن كان مجتهداً عذره الناس.
بين هذا وذاك أرى أن برنامج (الثامنة) تحول من مواجهة المسؤول أو المعني بالقضية إلى محاولة تنفيس حالة الاحتقان العام، التي يعيشها المواطنين ضد ذلك المسؤول أو بسبب تلك القضية، حيث يتسمر الجميع أمام الشاشة في انتظار المحاكمة العلنية التي يُتقنها الأستاذ الشريان بطريقة عفوية ولهجة قصيمية خاصة، سواءً بأسئلته الحادة أو تعليقاته العابرة أو ضحكاته الساخرة، ما يجعل المسؤول في حرج، فيبدأ في تكرار إجاباته والدخول في درس طويل من التبرير، ثم تسخن أجواء الحلقة وتصل ذروتها عندما يزداد الشريان حدة في أسئلته والضيف يقع في تضارب المعلومات وتناقض الإجابات.
هنا وفي هذه اللحظة بالذات تتجلى (حالة التنفيس) عندما يستشعر المشاهد أنه هو من يجلس على كرسي مقدم البرنامج، وهو من يحاصر الضيف المسؤول بوابل الأسئلة المحرجة، وهو من يلوم ويعاتب ويقرع، فيشعر المشاهد بالارتياح حتى تنتهي الحلقة.. لأن الشريان في الواقع يتحدث عن كل ما في نفس المشاهد ويبث كل في مدارك عقله. بعدها بدقائق من نهاية الحلقة يرتفع معدل الردح في (تويتر) بالتغريدات والإشادات بهذا المقدم المتمكن، الذي (حشر) المسؤول بطريقة لم نعهدها نحن السعوديين قياساً بحواراتنا المملة والتقليدية في قنواتنا الرسمية، كما يتم تناقل مقاطع الحلقة بتعليقاتها الطويلة على صفحات (الفيس بوك)، وكلها تصب في خانة الإشادة بالمقدم والشماتة بالمسؤول.
وفي الصباح الباكر تطوى صفحة من معاناة المواطن وكأن شيئاً لم يكن، حيث يدخل المغردون في جدلهم الفكري اليومي، بينما يعود المسؤول (المحشور) إلى مكتبه معززاً مكرماً، ويبدأ الشريان البحث عن قضية يكشف خفاياها ويعري حقيقتها أمام المشاهدين تحت قاعدة: (الإعلام يعرض المشكلات ولكن لا يقدم الحلول)، فهذه مهمة أجهزة حكومية معينة. لهذا يعتقد البعض وأنا منهم أن برنامج (الثامنة) مجرد برنامج حواري للتنفيس عن بعض حالات الاحتقان الاجتماعي لقضايا الرأي العام، رغم أني كنت من أوائل من كتب مشيداً به! إلا أن الرجوع إلى الحق فضيلة.
moh.alkanaan555@gmail.comتويتر @moh_alkanaan