لدينا ما يقارب المائة والخمسين ألف مبتعث في كافة أرجاء العالم, شباب طموح وجاد يسافر أميال طويلة لهدف واحد العلم والتعلم, منهم من اكتسب علمه من الصين واليابان, ومنهم من لازم فصول الدراسة في أستراليا, ومنهم من حفظته أروقة جامعات أمريكا وكندا, ومنهم تعرف لأول مرة في حياته على بلدان مثل اسكتلندا وايرلندا وماليزيا وسنغافورة حين ودع وطنه وسافر اليها ليقضي بين جنباتها فصلاً زاخراً من عمره.
ينطلقون من مدن ومحافظات المملكة, بعضهم لم يسافر في حياته قط, فيصاب بالصدمة من ما يرى ويشعر من حضارة وانفتاح ويقضي شهوره الأولى وهو في حالة ذهول وانبهار, ولكن سرعان من ينخرط في الحياة الجامعية وتبدو الحياة من حوله روتينيه وعادية.
خلال فترة دراسته يتعلم لغة جديدة لتلازمه طيلة في حياته الجامعية, فيعود بعد سنوات من الجد والتحصيل الدراسي إلى وطنه متأبطاً شهادة من إحدى جامعات الدول المتقدمة في العالم سعيداً وفخورا ً بها, معتقداً أن تلك الشهادة كافية لبناء مستقبل أفضل لوطنه يشبه واقع الدول التي اكتسب منها علمه وشهادته. لهؤلاء أقول بكل ثقة ووضوح.. شهاداتكم لا تكفي!.
إذا عدت ولم تتعلم من جمهورية الصين قيم العمل الجماعي والدقة والإتقان، ولم تتعلم من امبراطورية اليابان تقديس الوقت والالتزام بأخلاقيات العمل, ولم تقتدِ بأمريكا في احترام الآخر بناءً على إنسانيته وجهده لا على لونه وجنسه ودينه وقبيلته, ولم تحاكِ قيم التعايش والتعدد الذي يبني ولا يهدم في كندا, ولم تستفد من تجارب بريطانيا وألمانيا وفرنسا وفنلندا وغيرها من الدول الأوربية في الاتحاد رغم الاختلاف.. فشهادتك لا تكفي!.
طلابنا المنتشرون في أرض الله الواسعة لغرض نبيل وسام, والمطبقين لحديث القول المأثور: “اطلب العلم ولو في الصين” أقول: إن بلادنا بحاجة إلى القيم العالمية أكثر من حاجتها لشهادتنا الورقية, إنها بحاجة لقيم التسامح والتعايش مع الآخر المختلف باللون والجنس والعقيدة, كما أنها في أمس الحاجة إلى أخلاق العمل واحترام الوقت وإتقان الصنعة, إنها بحاجة إلى ذلك التواضع الذي ترونه في العبقري والطبيب والمهندس الغربي, هي أيضاً تحتاج إلى أن نحترم إنسانية الآخر وخصوصيته وحقه في الحياة دون أن نمارس عليه كافة أشكال الوصاية المنطوقة وغير المعلنة, نحن بحاجة لأخلاقهم في احترام فلان لأنه ذكي وناجح لا لأنه ابن فلان ومن القبيلة الفلانية, في تقدير الآخر لجوهره وفكره وطموحه, لا لسيارته الفارهه أو لساعته الفخمة أو رصيده البنكي, أن ندعم الموهوب الخلاق لأنه سيجعل من وطننا مكاناً أجمل, وأن نقول للناجح أحسنت قبل أن نقول للفاشل أخطأت.
إن تلك المبادئ هي التي جعلت تلك الدول تتبوأ المراتب الأولى وتقود العالم, شهادتكم قد تمنحكم عملا ً يدر عليكم مبلغاً شهرياً لكنها لن تجعل من وطننا مكانا ً أفضل ولن تأخذنا لمستقبل أكثر إشراقا.
فأخبروني ما فائدة أن نحمل شهادات البكالوريوس والماجستير أو حتى الدكتوراه ونحن لا نحترم المرأة وحقوقها, ونحكم على الآخر لمظهره واسمه وكم يملك من المال لا من العقل, ونرمي بعضنا بأسوأ العبارات فقط لأنهم توقفوا عن ترديد أفكارنا وأصبح لهم أفكارهم الخاصة, ولا نحترم قوانين القيادة والأماكن العامة؟؟
على كل مبتعث مسؤولية تفوق مسؤولية من درس في الجامعات السعودية, أن يعود وفي حقيبة سفره: فكر منفتح, عقل مستنير, حزمة من القيم العالمية الرائعة, والأهم إرادة جادة لزرعها في وطنه الذي ينتظر منه الكثير.
نبض الضمير:
إنما الأمم الاخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا
Twitter:@lubnaalkhamis