أحدث جسر الملك فهد الذي يربط السعودية بالبحرين تغييراً جذريا في العلاقات المشتركة؛ وأسهم في تحقيق تنمية اقتصادية شاملة؛ وربط تجاري غير مسبوق؛ وساعد في تدفق السلع و البضائع والسائحين؛ وسهل من عملية تدفق الاستثمارات التي أسهمت في إحداث نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية.
بعد مرور أكثر من ربع قرن على إنشائه؛ يبدو أن الجسر لم يعد قادراً على استيعاب حركة التجارة والمسافرين؛ تكدس شاحنات النقل؛ والمركبات على جانبي الجسر؛ جعله أكثر حاجة للتوسعة، والتطوير وتبني مشروعات نقل مساندة تُسهم في تحقيق انسيابية الحركة، وفك الاختناق؛ إضافة إلى تحقيق بعض الأهداف الإستراتيجية المهمة.
أحسب أن من أهم المشروعات المساندة مشروعي سكة القطار؛ والخط البحري المخصصين لنقل الركاب والبضائع.. إنشاء جسر الملك فهد أدى إلى إلغاء الخط البحري الذي كان يربط مدينة الخبر بالمنامة، وهو خط النقل التقليدي الذي كان من المفترض بقائه لتعزيز حركة نقل المسافرين والبضائع بين البلدين.. سهولة الحركة؛ وبدائية التبادل التجاري في الثمانينات الميلادية حملت المسؤولين على إستبعاد فكرة تطوير خط النقل البحري لعدم أهميته آن ذاك؛ متجاهلين البعد الإستراتيجي؛ والحاجة المستقبلية. وقف الخط البحري لم يكن القرار الخاطئ الوحيد؛ بل ضُم إليه قرار استبعاد سكة القطار من التصاميم الهندسية الأولية لمشروع الجسر!. اليوم؛ تبدو الحاجة ملحة لوجود الخط البحري؛ وسكة الحديد لمعالجة مشكلات النقل وتكدس البضائع وفك الاختناق.
يبدو أن الاختناقات المستمرة والحاجة الملِّحة لتسهيل حركتي النقل والسفر حَفَّزت مسؤولي البلدين على إحياء فكرة الخط الحديدي من جديد؛ حيث كشفت الأخبار الصحفية عن تشكيل فريق عمل مشترك أسندت له مسؤولية إنهاء دراسة جدوى إنشاء سكة حديد حديثة تربط البحرين بالسعودية.
أجزم بأن جدوى إنشاء الخط الحديدي لا تحتاج إلى دراسات متعمقة؛ فالحاجة الإستراتيجية باتت أكثر وضوحاً عما كانت عليه من قبل. الأهداف الإستراتيجية؛ وبخاصة الوحدوية والأمنية والتجارية؛ تفرض علينا التعامل مع المشروع بمعزل عن دراسات الجدوى؛ والانعكاسات المادية؛ وتحتم على مسؤولي البلدين التعجيل في إنشاء الجسر بغض النظر عن تكاليفه المالية، ونسبة التحمل بين البلدين. البعد الإستراتيجي ربما فرض علينا إنشاء مسار إضافي للمركبات يخصص للطوارئ موازياً للجسر المخصص لسكة القطار؛ فيكون مشروع القطار المقترح أكثر شمولية وتكاملاً؛ ومعالجاً لأخطاء الماضي. التعجيل في إنشاء قطار السعودية البحرين سيسهم في إنجاز جزء مهم من مشروع سكة حديد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المزمع إنهائه العام 2018؛ ما يعطي المشروع أهمية إضافية في الربط الخليجي.
أما الخط البحري فأجزم أن أهميته باتت أكثر وضوحاً مع تكدس الحاويات وخطر الأحمال الزائدة على الجسر؛ والأخطار الأمنية. فتح مرفأ الخبر وإعادة ربطه بالمنامة بات ضرورة ملحة بعد أن أصبح الجسر غير قادر على تحمل حركة الشاحنات المستمرة؛ وتكدسها على جانبي الجسر. إضافة إلى ذلك فالنقل البحري ربما كان أكثر ملاءمة لنقل الحاويات وتدفق البضائع من الشاحنات التي يتسبب تكدسها وتأخرها بخسائر مالية ومخاطر أمنية لا تحصى.
النظرة الإستراتيجية للمشروع قد تعجل في تنفيذه؛ في الوقت الذي ستتسبب فيه دراسات الجدوى المطولة بتعطيله، وإقحامه في دهاليز البيروقراطية القاتلة؛ فهل يتغلب الجانب الإستراتيجي على الجوانب الأخرى المُعطلة للمشروع؟.. أرجو ذلك.
f.albuainain@hotmail.com