قرر أمراً لم يكن مألوفاً، شيء ما يجذبه كمغناطيس لتلك الزاوية ليكتب، وهو الكاتب المشهور بصبغة ما لا تتوافق مع ما انتوى الخوض فيه؛ سجائره تحرق فراغه، أمسك قلمه الرصاص، نزع ممحاته على غير عادته...ما سيكتبه لن يتراجع عنه مهما كان.
بداخله صراع لا يعلم ما هو، لذا كان قراره تحويل المعركة بحيث يتواجه القلم مع تلك الورقة الصفراء، التي تشبه ورقة منتحرة من أوراق شجر نوفمبر، لم يحاول لمسها حتى لا تخسر تلك المعركة مع قلمه... إذاً هو ليس محايداً، إنه يدافع عنها رغم أنه من يمسك بالسلاح الآخر، غرسه فيها برفق، عند أول نقطة اهتزت أركانها، أصدرت حفيفاً قتل هدوء صومعته، أسند كفه خارج حدودها، وسن قلمه أصبح رقيقاً رغم ضبابية خطه لكنه يكفيه أنه يعرف قراءة ما يكتب، يحول بينه وبين ورقته ذلك الدخان القادم من ذلك الشباك اللعين رغم رائحته الجميلة، أرسل إليها كثيراً من يرجوها ألا تشعل بخورها في ذلك الوقت لأنه وقت صلواته، يبدو أنها ظنت أن صلاته فقط سجادة ودعاء، يكملها ذلك البخور ليطرد الأرواح الشريرة، لكنها لا تعلم أن روحه تعشق ذلك البخور.
حدث نفسه: أي تخاريف هذه التي تظنها أيها العابث؟
هل تظن أنها تعشقك؟ إنها تكبرك بأعوام، اطرد هذا الهاجس من داخلك. جمالها يصبغ عليها عمراً أصغر يعود بها لزمن أقل منه، رائحة البخور تزداد انتشاراً داخله حتى وصلت لمدى شرايينه، انتفض واقفاً، اتجه صوب الشباك مُبحراً في خيال يكاد يغرقه، نسي أمر الكتابة والورقة والقلم، وقف على كرسي قديم، عيناه تقتربان من حدود الشباك، ضوء أبيض يدفعه لإغلاقهما مرة أخرى، يعاود فتحهما بهدوء، اتسعت حدقتاه حين شاهدها متوحدة مع جسد آخر، سقط من فوق كرسيه، تناثرت أوراق صفراء، كل منها مغروس بها قلم ما عدا تلك الورقة التي كان يكتب فيها، لم يكن بها سوى جملة واحدة... لا... بل نقط كثيرة اخترقت تلك اليابسة وعين جاحظة.