قال أبو عبدالرحمن: لم أُحسن التقدير لحجم هذه المداخلة؛ فاضطررتُ - مع الحرص على الاختصار - إلى زيادة حلقتين؛ فلعلَّ جريدتي جريدة الجزيرة تتحمَّل ذلك، وقد وقفتُ عند إطلاق البدعة الحسنة على التراويح، ونسْبةِ هذا المعنى إلى عمر رضي الله عنه؛ وفي هذا خطأ من ثلاثة أوجه: أولها: أن ذلك بخلاف إطلاق نصوص الشرع عن ذم البدعة بلا تقسيم. وثانيها: إلغاء أسلوب العرب البلاغي؛ لأن المعنى: (إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة)؛ لأنها سنة محضة؛ فهو نفي للبدعة.. ومثل هذا قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [سورة الزخرف/ 18]؛ فمحمد -صلى الله عليه وسلم- لن يكون أول العابدين لمن له ولد، بل مآل المعنى نفي الولد.. وإنما كانت التراويح سنة محضة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها جماعة، ثم ترك هذا لا إلغاءً للسُّنِّيَّة، بل خوفاً من فرضها بالنص الصريح؛ فلمَّا لقي رسول الله ربه، وكمل الدين، وأمِن عمر رضي الله عنه إيجابَها: أعاد سنتيها جماعة. وثالثها: أن ما صدر عن الأئمة الأربعة الراشدين في الدين (بالاتفاق ابتداء، أو بالاتفاق بعد الاختلاف) فهو سنة لا بدعة، وهذا أمر ليس لغيرهم؛ لحديث العرباض بن سارية رضي الله عنه: «ومن يعِشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عُضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة»، وهو حديث صحيح ساق الحافظ أبو نعيم طرقه، وفيه إثبات السنة العملية، وقد تعنَّتَ بعض المعاصرين في تضعيفه مكابرةً لذوي الاختصاص قديماً وحديثاً بلا جديد من تحفة علمية أو فكرية.. وعرَّف الشاطبي البدعة - وإن كان خالف في تقسيم البدعة إلى حسن ومستقبح - بأنها: «طريقة في الدين مخترعة تُضاهي الشريعة يُقصد بالسلوك عليها المبالغةُ في التعبد لله سبحانه»، وهذا تعريف يُظْهر افتراءهم على دين الله؛ بل ما لم يشرعه لنا ربنا تعبُّداً فهو بدعة محرَّمة بضرورة الدين وبمقتضاه، وما أحسن قول الشيخ محمد بن حسين الجيزاني: «والشيء لا يكون بدعة في الدين إلا بشروط ثلاثة: الإحداث، وأن لا يستند إلى أصل شرعي، وأن يُضاف إلى الدين».. على أن عدم استناده إلى الشرع هو الإحداث نفسه.. وتعريف البدعة بالضدية أنها خلاف السنة، والسنة الشريعة الواردة في الكتاب والسنة، وما استُنْبط منهما من أصول بيقين أو رجحان؛ فمن خالف في الاستنباط باجتهادهأخطأ عن أهلية ونزاهةِ قصدٍ فهو مخطئ وليس مبتدعاً، ومن استحدث شرعاً غير ذلك، وغالط بالاستدلال له فهو مبتدع مُحرِّف؛ وإذْ فرغت مما تعلق بدعوة الإمام المصلح محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، وما يتعلق بالبدعة: فإنني أشير إلى ملحظ عام وهو أن مَن بعد تابعي التابعين الذين أصَّلوا اجتهادَهم على منهج السلف الصالح، وجعلوا إمامهم ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي المتلو وهو القرآن الكريم ومن السنة النبوية قولا ً وفعلاً وتقريراً وإشارة هم أهل السنة والجماعة، وهم أكثر الأمة المحمدية تحرِّياً لما عليه السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم وتابعيهم بإحسان بما يعرف بالسيرة العملية؛ ولهذا فهم أكثر صواباً في أمور العقيدة، وأقل تَأثُّماً في أمور الفقه التي يسع فيها الاختلاف، ولا يعني هذا خُلوَّ اجتهاد بعضهم (ولا سيما المتأخرين) من نوادر لا توصف بأنها من مذهب السلف وإن كان شديد التحري لمذهبهم.
قال أبو عبدالرحمن: بعد هذه الجولة عن هويتنا في نفسها، وعما افتراه الآخر مما ليس هو من هويتنا؛ فجعله مدخلاً للإكراه العالمي بضغوطٍ تضليلية، ومباشرة استعمارية بزرعِ تعددية طارئة؛ لتكون أداة داخلية تنفِّذ التسييس التضليلي.. ويأبى الله أن ينفلت أبناء أمتنا من الجذور؛ وهذا هو الاستعمار الأيديولوجي المباشر لإطفاء نور ديننا.. وأما استعمار الأمة العربية والإسلامية استعماراً نفعياً تحليلياً فلا فرقَ يفْصِله عن الاستعمار المباشر؛ لأن الأمة محارَبة بمواردها من أرضها وإستراتيجيتها مطوَّقة بالتهديد العسكري الباطش.. وكلُّ هذا لن يُرَوِّع الأمة إذا تحررت أيديولوجياً، وبمنطق أمتي (إذا تحرروا دينياً وفكرياً)؛ فربطت الأمة حبلَ الله وعهدَه الوثيق بينها وبين قادتها في تطبيق مُقتضَى رضاها بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.. بعد هذه الجولة أودُّ أن أُعرِّج على مدى وعينا بالتعامل مع تسييس الآخر وتدليسه: أهو بإرضائه ومحوِه هويتنا، أو هو بالعدل والصدق مع الآخر المتسلِّط علينا بقوة مادية لم ولن نملكها بإرضائه؛ وذلك هو الرجولة، وهو الميزان الذي قال الله خالق البشر عنه: {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [ سورة الرحمن/7 ].. وفرَّقتُ بين الوعي بالتسييس والتدليس، وبين الوعي بالتعامل معهما؛ لأن الوعي بالتسييس والتدليس معلوم لدى الطبقة المثقَّفة نشأةً وتخطيطاً.. ولا سيما عند دارسي الأديان، ومُتابعي التغيُّرات التاريخية على أرضهم.. وهو معلوم بآثاره المشهودة الآن لدى عامة أمتنا، وأما الوعي (بالتعامل مع الإكراه العالمي) فإن اختلاله هو قاصمة الظهر، وهو الذي يجعل منا أداةً وعمالةً ومطيةً للآخر الذي صنعه (العدوُّ المبين) من حيث لا نريد ولا نشعر، ونظن عن حُسن نية أننا سلكنا طريق الخلاص.. وهذا الهم الكبير تفرَّغتُ له في كتابي الكبير (هذه سلفيتي)، وحبستُه عن النشر كتاباً، وأخذت أنشر من بعضه في الدوريات والصحافة؛ لأستفيد من شجون أبناء أمتي ما أبني به صرح هذا الكتاب، وآخذ من هذا الموضوع معالجة موجزة لوعي الدكتور عمر عبدالله كامل في كتابه ( السعودية تحديات وآفاق ) نشره ببيروت عام 2003م توزيع دار بيسان قبل عقود من الربيع [بل الحريق] العربي)؛ فمن وعيه - وليس ذلك بجديد، ولا هو تُحْفة -: أن هدف الإستراتيجية الأمريكية هو تأمين مصادر الطاقة، وحمايتها، وتوفيرها بأسعار مبولة لأغراضها القومية.. وحمايتها أمنها القومي الذي لم يُهدَّد قطُّ، وأنها استخدمت الوسائل المشروعة وغير المشروعة إبَّان الحرب الباردة، ولن تتوانَى عن استخدامها مرة أخرى ضدنا.. وبيَّن أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر غيَّرت الإستراتيجية الأمريكية من سياسة الحفاظ على أمنها والاكتفاء بنظرياتها الثقافية عن صراع الحضارات إلى نظرية استباق الخطر بضربه في أماكنه.. كما أن للولايات المتحدة أهدافاً في حماية الدولة الحليفة لها المنسجمة مع أهدافها انسجاماً تاماً وهي إسرائيل، وتتمثل تلك الحماية في تحويل الدول المحيطة بها إلى كيانات ضعيفة عسكرياً تنتشر فيها الثقافة الأمريكية التي تُنتج أجيالاً لا تُضِرُّ بمصالحها ولا تَكْرهها.. ثم طرح سؤالاً من شقين هو: هل نحن حقاً مستهدفون من قبل أمريكا، ولماذا؟؟.. وانتهى إلى أن النقد الموجَّه الذي يجعلنا نواجه الهجمة الأمريكية الشرسة يتركز: في أننا مجتمع متطرف، ومنعزل، وعازل، ويُدرِّس الكراهية وعدم التسامح وازدراء الآخرين، وأننا مركز تفريخ للفكر المتطرف سواء في مناهجنا التعليمية أو في الكتب التي ندعمها ونوزِّعها بين المسلمين.. وجمح به قلمه فقال مقلداً لحسن فرحان المالكي: «إن مقررات التوحيد اتسمت بالتكفير والتبديع والغلو، وزرع الكراهية للمسلمين، وضيق الأفق، والتناقض، والضبابية، والتعالم [يعني التمعلم] والدعاوى، وعدم مراعاة أبسط البدهيات.. وأما فيما يتعلق بالتعامل مع غير المسلمين فخطره أشد؛ لأن المسلمين للأسف لا يوجد من يُدافع عنهم، وأما غيرهم فأمريكا اليوم تشير إلينا بإصبع الاتهام وتُصِرُّ على تغيير هذه المناهج..».. ثم يقول: «إن نحو نصف مقرر التوحيد في مراحل التعليم العام لا علاقة له بالتوحيد».
قال أبو عبدالرحمن: حصل لنا من هذا الوعي:
1- أن أهداف أمريكا تأمين مصادرها من خيرات الله في بلاد أمتنا بأسعار مقبولة.
2- حماية تلك الخيرات من أبناء أمتنا بوسائل بعضها مشروع!.
3- المسوِّغ لما نراه من وسائل كلها غير مشروع جنايتنا أحداث 11 سبتمبر .
4- أن أحداث سبتمبر للحفاظ على أمن أمريكا!!.. مِـمَّن ؟.. من العرب المسلمين وكافة المسلمين من غير العرب!!.
5- من أهداف أمريكا ضد بلادنا وهُوِيَّتنا حمايةُ الدولة الحليفة إسرائيل المنسجمة مع أهدافها.. ولم يبين نوعيات هذا الانسجام.
6 - سبيل الهدف الأخير تحويلُ الدُّولِ المحيطة بإسرائيل إلى كيانات ضعيفة عسكرياً، وجَعْلُ الثقافة الأمريكية تنتشر فيها؛ فتظهر منا أجيال لا تضر مصالح أمريكا، ولا تكره أمريكا..[وبلغة العصر: الاعتراف بالآخر] .
7- أُمَّتنا مدينة بما ينالها من ظُلم؛ لكوننا متطرِّفين في ممارستنا الثقافية وفي طليعتها ديننا ومناهجنا التعليمية.. وههنا تحوَّل عموم الأمة الإسلامية إلى خصوص المجتمع السعودي.. ووصفُ تطرُّفنا بمترادفات هي التكفير والضبابية.. إلخ.. إلخ.. وأنَّ نِصْف مقررات التوحيد لا علاقة له بالتوحيد !.. ومن هذه المقررات السعودية كانت النتيجة التالية بقلم عمر تنصيصاً.. قال: «إن دراسة هذه المناهج هي التي شكَّلت عقلية المتطرفين الخمسة عشر الذين نفذوا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر[؟؟] «؛ فالدكتور عمر إذن يجعل دعوى الآخر حول التطرف والمناهج التعليمية حقيقةً مُسَلَّماً بها؛ لكونها اعتقاداً أمريكياً!!.. مع أنها لا تؤمن بهذا الاعتقاد في تفكيرها الجاد، كما أن قبول هذه الدعوى التي تُمازِح أذكياءنا جناية على شعب بأكمله درس هذه المناهج ولم يشارك في الحادي عشر من سبتمبر [تذكَّر ما مرَّ من قوله!!]، ونصَّ الدكتور على أننا (شعب مسالِم بعيد عن الحقد والكراهية، بل إنه أكثر الشعوب قبولاً للغريب ورأفة به، وليس أكثر دلالة على ذلك من كثرة عدد العاملين في المملكة من كل الِملَل، ولم نسمع بحادث عنصري كما يجري في البلاد الأخرى.. ثم هل يمكن القول نفسه عن المناهج الأمريكية التي أنتجت مئات إن لم نقل آلاف المتعصبين، وهل يجوز تعميم ما تقوم به فئة ضالة على شعب بأكمله؟.. وليس التفاف الشعب بأكثريته الساحقة حول ولاة أمره لاستنكار الأعمال الإرهابية التي طالت المجتمع السعودي بمسلميه ومعاهديه إلا مثال على فساد القول بأن المناهج تُخرج متطرفين؛ فكيف يجوز ترديد مثل هذا القول)).. وبعد الكلام الأخير الجميل بقلم عمر ارتدَّ عليه بهذا التناقض العجيب؛ فقال: «فنحن فعلاً مستهدفون ما لم يُصَرْ إلى تغيير المناهج الدينية، والأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر الإسلامية المختلفة، وعدم الغمز واللمز في عقائدهم، وطرح الأوصاف التي نصفهم بها مثل الأشعرية والقبورية... وغيرها».. ثم ذكر خلطاً بين مستويين أدَّيا إلى سوء فهم، وهما: هل أمريكا تريد من تغيير المناهج في المملكة إنصاف المسلمين الآخرين؟.. وهل لتغيير المناهج بُعْدان أحدهما لإرضاء أمريكا (عدم تفريخ الإرهاب)، والثاني لإرضاء المسلمين من غير السعوديين بالانتقال من تكفيرهم إلى القول إنهم مخطئون، وألا نطعن في عقيدتهم بوصفهم بالشرك واتخاذ الأوثان) [ص 19]؟.. إن الخلط بين هذين المستويين يجعل المقصد بالتطوير نسفاً لكل الأسس التي يقوم عليها المجتمع؛ لأن أمريكا لا تهتم - وإن ادَّعت - بالمسلمين الآخرين، ولكن مصالحها وعدم تعرضها لمثل ما تعرضت إليه هو الهدف).. ثم قال مدافعاً عن مناهجنا: (إن القول: بأن الفئة الضالة هي نتاج المنظومة الثقافية التي تدرس في المدارس [ص20] كتبَ الدعوة التي كونت النظرية التكفيرية التي تتهم الناس جزافاً بالشرك والبدعة والضلال؛ فالنظرية لا تحتاج إلا لمن يحمل السلاح ويقتل بدون أن يرمش له طرف؛ فهو يعتقد أنه يقتل كفاراً ومشركين ومباحي الدم: هذا القول فيه تجنٍّ كثير على التعليم الديني، ولا شك أن الفكر الحركي الوارد من خلف الحدود هو الأفعى التي احتضنتها المملكة، فتلاقحت مع بعض المتطرفين الذين يوجدون في أي مجتمع، وأنتجت هذه الفئة الضالة).. فكل هذا كلام جميل من الأستاذ عمر، ورؤية ثاقبة، ثم تحدث الأستاذ عمر عن الخطط الأمريكية التي تسعى إلى إفقار المملكة (بدفع أسعار البترول إلى مستويات متدنية جداً تؤدِّي إلى تفكك المجتمع، وانتشار الفقر، وإلى تقسيم البلاد، وفصل مناطق البترول عن بقية المملكة).. ثم ذكر وسائل إقامة مجتمع متماسك لا ينفرط عند المواجهة؛ فشرعية الحكم كما يقول [ص28] هي رضى الناس، ورضاهم لا يكون إلا بالعدالة في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية.. وأولها معالجة الفقر، وإعادة النظر في هيكل توزيع الثروة؛ بمنع الاحتكارات والمنح والامتيازات وتفتيتها، ومنع صكوك الاستحكام التي تبلغ ملايين الأمتار في حين أن الألوف بحاجة إلى أمتار قليلة.. وثانيها الحرية المذهبية، وثالثها العنصرية[يعني إلغاءها]، ورابعها إصلاح القضاء، ثم إعادة النظر بميزانية الدفاع، وإعادة بناء الهوية المتوازنة المترابطة البعيدة عن دعاوى التميُّز والخصوصية المزعومة.. ينبغي أن يبني ولاة الأمر الإصلاحات على قاعدة شرعيتهم، وحب شعبهم لهم، وعدم رضاه بغيرهم حاكماً.. ثم يذكر الذرائع الأمريكية للتدخل وهي عنده ست ذرائع: الحرية، والديمقراطية، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان، والتعليم (ثقافة السلام)، وحقوق غير المسلمين في التعامل والعيش مع المسلمين.. ووسائل تطبيق هذه الذرائع هي صندوق النقد الدولي، وبنك التعمير الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، ومجلس الأمن الدولي.. ويذكر وجهة نظره للتوافق مع هذه الذرائع بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية مستشهداً على ذلك بآي القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف،ويختم بملحقين يورد في أولهما [ص28 و79 - 108] قراءة نقدية لمقررات التوحيد لمراحل التعليم العام بقلم حسن فرحان المالكي مع الملحوظات التفصيلية على مقررات التوحيد.. وفي الملحق الثاني يتحدث عن حقيقة العبادة برأي المؤلف المدعَّم بشواهد من القرآن والسنة، وخلاصته أنه لا يصح قياس التوسل ولا قياس المتوسل على عابد الوثن بجامع أن الدافع بينهما واحد، وهو التقرب إلى الله تعالى؛ إذ لا يستوي ما لا عبادة فيه لغيره تعالى مع ما فيه عبادة لغير الله ولو كان غرض الفريقين واحداً (وهو التقرب إلى الله)؟؟!!.. لأن الاشتراك في الغرض لا يستوجب الاشتراك في الحكم.. ويختم بخاتمة يقول فيها: «إن الإصلاحات التي أشار إليها تواكب المرحلة الراهنة التي نعيشها، وقد يقتضي زمنٌ لاحق إصلاحاتٍ متنوعةً أُخرى؛ فكل مرحلة لها مقتضياتها، وسُنَّة التدرج معلومة؛ فننتقل من مرحلة إلى مرحلة بما يناسبها من تطور، فالدول كائن حي لا يثبت؛ وإنما يتجه إلى التطور محافظاً على أصوله، مستوعباً مقتضيات زمانه. قال أبو عبدالرحمن: ما ذكره الأستاذ عمر من اقتراح إصلاحات هو السَّير الحثيث من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله والدوائر التي أنشأها، والدوائر التي طورها: شورى، وحوار، وإصلاح إداري، ومطاردة فساد، ومصادرة اعتداءات على ملايين الأمتار.. وكل ما في الإمكان فهو كائن إن شاء الله إن صلح ما تفرَّع عن قمة القيادة من مسؤولي الدولة إلى الموظف العادي.. ومسألة التوسل ليست هي المحرِّك لأهداف الآخر المعادي لنا؛ لهذا أجعل الحديث عنها في النهاية.. وما ذكره عمر من نواح اقتصادية محركةٍ الأهدافَ الإستراتيجية الأمريكية أمر صحيح في نفسه، وباعثه منطق تحليلي نفعي، ولكنه هدف تابع لا قائد؛ لأن الباعث هدف ديني بتحريفٍ وتبديل وتأويل صهيوني يجعل الظلم والإفساد في الأرض تحقيقاً لمشيئة الرب قبل وقوع آخر معركة فاصلة في العالم (معركة هرمجدون).. جاء هذا على ألسنة زعمائهم ..وكرَّسه السياق التاريخي منذ الصراع الصليبي إلى الاندماج الصهيوني الذي جعل أهل الكتاب ملة واحدة مع قهر النفوذ الصهيوني أيَّ صوت لأهل الكتاب الآخرين الذين يتفجَّرون كُرْهاً ليهود، ويعلمون التباين بين الأمتين ديانة، ويعلمون العدوان اليهودي - قبل أن يكون ديانة صهيونية - على النصارى في كل بقعة بالعدوان المباشر، والتضليل الفكري، والعمل الظلامي.. وقد ذكرتُ نماذج كثيرة في بحوث مطولة بهذه الجريدةن الكيد الصهيوني، وبيَّنتُ أن المتَنَفِّذين ما بين مُـخَدَّر بالتضليل، وما بين من هو آلة مُسخَّرة نتيجة تزييف، وأصبح واقعاً عملياً بخطاب أصفه بأدبيات الفكر الصهيوني؛ فمنذ عودة الأرثوذكسية بعد سقوط الماركسية، وإعادة البناء لغورباتشوف: زحفت العولمة؛ لتجعل الإسلام هو العدوَّ الوحيد لأمم الأرض (كتابيِّها، ووثنيِّها، ومن لا دين له).. وتؤلمني هذه السذاجة في التصديق بأن الهجمة على شرقنا العربي والإسلامي من أجل حماية الأمن القومي للولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر؛ فصار من أبناء جلدتنا أول مصدق بما لا يقبله العقل؛ فالقاعدة في أفغانستان ليست أهلاً لهذا الحدث، وليس هو بقدرة أي قوة خارج أمريكا؛ وإنما هي قاعدة صهيونية بأمريكا؛ لأنه لا مُتَنَفِّذ هناك غير الصهيونية [انظر على سبيل المثال كتاب (الأفكار والأسرار/ 11 سبتمبر 2001 م ) للدكتورين محمد قدري سعيد وعبدالمنعم سعيد.. وكتاب (ساعتان هزتا العالم ) لفريد هاليداي بترجمة عبدالإله النعيمي].. وأما العراق فلا ناقة له ولا جمل في الحدث، وحرب الخليج نفسها قبل حدث سبتمبر تخطيطاً وتنفيذاً بثلاثة عقود، والعداء للسعودية ليس هو من أجل إرهابيين مُغرَّر بهم عانت السعودية حكومة وشعباً عبء إجرامهم، وكان إجرامهم في السعودية لا في أمريكا؛ ولكن منطق النفوذ الصهيوني المتيافيزيقي يجعل السعودية أوَّلَ عدوٍّ لها؛ لأن السعودية التي لم تُطبِّع علاقاتها مع إسرائيل؛ فهي عدوة الأحلام التوسعية للصهيونية في العالمين العربي والإسلامي احتلالاً لا مجرد ضغوط خفية تحكم.. وهي العدو الأكبر؛ لأنها ذات الثقل الثلاثي: المد الإسلامي بسلفيته، والمال الموظف لهموم العرب والمسلمين والمبادئ الإنسانية، والعروبة الصميمة.. وجعلتُ المنطق التحليلي النفعي تابعاً لا قائداً؛ لأن الولايات المتحدة تُضحِّي بالمال العاجل على الرغم من عبادتهم المال، وتضحي بالأرواح على الرغم من احتمائهم بطائرة بلا طيَّار؛ لغرض ميتافيزيقي بحت، والمنطق التحليلي النفعي هو الآجل، والمستفيد الصهيونية وحدها؛ لأن عاصمة العالم اليوم (تل أبيب).. وهم الذين الآن يجزرون الفلسطينيين ويغتصبون البقية الصغيرة من ديارهم بلا حسيب ولا رقيب، وقد حُيِّد العالم العربي بضعفه وتمزُّقه من جَرَّاء مكايد ظلامية كثيرة أضعفته، وزُرِع فيه العملاءُ والقادة الفاسدون السفاحون الذين لا تاريخ لهم.. ويعلم أخي أن العولمة والعلمنة وصراع الحارات ليستْ وليدةَ حدث 11 سبتمبر، بل هي تطبيقاً أقدم بعقود، وهي تأصيلاً أقدم بقرنين، وهي أيضاً نتيجة استعباد الصهيونية أهلَ الكتاب الآخرين بالتضليل الفكري والافتراء الديني الذي جعل العهد القديم بالتفسير الصهيوني هو المرجع، وأن حماية العدوان الصهيوني واجب، وأن ذلك العدوان مشيئة الرب.. ومن لم يَنْطَلِ عليه التضليل صار عاملاً لتنفيذه على رغمه بمنطق الدولة العالمية، وبمنطق الأطماع المشتركة، وبمنطق الإكراه العالمي بالهيمنة الصهيونية التي هي أخطبوط ناشب في كل مقدَّرات الأمم على وجه الأرض، وبمنطق تعطيل عناصر الخير المشتركة في الأثارة الباقية بكتب النصارى اعتقاداً وسلوكاً .
قال أبو عبدالرحمن: وإنني أرى في غيرة الدكتور عمر - جزاه الله خيراً - قصوراً علمياً وفكرياً في ربط آلام الأمة الإسلامية ( وهي وحدها المُسْتَهْدَفةُ من كل دول العالم المتنفِّذة بتناغمٍ مُتناوحٍ لا ينفصل ولا يهدأ بجامع الإكراه الأيديولوجي، والمنافع التحليلية معاً ) ببواعثها الحقيقية، وأرى في الوقت نفسه غبناً شديداً في فهم الأداة الفاعلة لتنفيذ ما يُراد بنا من سوء؛ فالقصور الذي أشرتُ إليه هو إسقاط الواقع، وعدم الربط بالبواعث الحقيقية هو الخلط بين الأوراق، وأكتفي بنماذج قليلة كافية الدلالة على الإسقاط؛ فمن تلك العناصر أود أن يتذكر أخي عمر قول الجنرال (شوارزكوف): «إن الحرب التي خاضها رجالنا في منطقة الخليج كانت من أجل إسرائيل.. إلخ «، وهذا قبل حادثة 11 سبتمبر؛ فهذا الواقع هو باعث العدوان على أمتنا بالمنطق الأيديولوجي الميتافيزيقي، وهو منطق الإكراه بأن نعترف بالآخر، ولا معنى للاعتراف ههنا إلا أن نُحِبَّ جزَّارنا، وأن نعترف بخيريَّته، وأن نتنازل له عن واجب المعايير باحتضاننا تضليل معيار الشعارات التي هي موضوع المعايير، وأن نقبل (الخطاب السياسي) ونغضُّ الطرف عن الممارسة الفعلية الظالمة التي هي نقيض الخطاب السياسي.. ألا ترون الزحف علينا وحدنا بالإكراه والتهديد في مناهجنا التعليمية، وفي تطبيق دين ربنا في أرضنا برضى أمتنا كلها التي بايعت ولي الأمر على (الكتاب والسنة).. وأمَّا ما قد يحصل من تقصير مع القدرة فعلاجه فيما بايعنا عليه من الكتاب والسنة.. وأما ما قد يحصل من قصور فعلاجه الفحص لواقع الإكراه الذي يكون مَحْوُه بأمرين متلازمين: أولهما المعادلة الحصيفة في الوقت الحاضر الآنيِّ بين المصالح والمفاسد والخسارة والربح، وثانيهما أن تكون الرعية والدولة يداً واحدة في دفع الواقع السيئ على التدريج بحبٍّ ونصحٍ صادق في السر، واعتراف بالعذر فيما اقتضته المعادلة.. وأدنى خلل في التلاحم إنما هو تنفيذ جبانٌ ذليل لزحفِ الإكراه العالمي، وليس فيما يُسَمَّى (العَمالة) أكثرُ ولا أقبح من هذا.. ثم لينظر أخي عمر حفظه الله في واقع أمم الأرض أيديولوجياً؛ فهم إما وثنيون، وهم أحِبَّاء ذوي الإكراه العالمي، ولا ينالهم غبن، وهم مُطْلقو الأيدي في ذبح وسلخ المسلمين في مثل بورما، ولا حساب عليهم ولا عقاب في انتهاك حقوق الإنسان والدين.. وإما مَن لا دين له فلا حساب عليه ولا عقاب ما دام عدوانه على أمة الإسلام وإنفاتته المشاركة الأيديولوجية (باستثناء أيديولوجية كره الإسلام وأهله) فهو شريك في المغانم (المنطق التحليلي النفعي).. وإما طائفي دينه وضعي منه التاريخي ومنه الحادث، ونشأته عملٌ ظلامي من قِبَل المُفسدين في الأرض قديماً وحديثاً منذ عهد موسى عليه السلام؛ فهؤلاء لا عليهم في ممارسة دينهم الوضعي؛ لأنهم عون على كُرْهِ الإسلام وظُلْمِ أمته، ولأن الغَزَل بالخطاب السياسي الذي هو غير الممارسة الواقعية في الإجماع على ظُلمنا والعدوان علينا بصداقة حميمية بين تلك الأطراف هو المفتاح لشعار ( الاعتراف بالآخر ).. أي قبوله ومحبَّتُه؛ وإذن فالاعتراف بالآخر بهذا المعنى أشد خطراً علينا من إرهاب (الفئة الضالة) مع عِظَمه؛ لأنهم محجوزون في أعناق السمسم [يقال عنق الزجاجة، وقمع أو عنق السمسم.. والسمسم لؤلؤ صغير تُصْنع منه أكياس لصرِّ النقود، ويطلق القمع على عنق الوعاء؛ لأنه مَخْروط على هيئة عنق الإنسان، وهكذا القُمقم عنق طويل لإناء من فضة أو نحاس أو خزف؛ وكل ذلك كناية عن الهيمنة والتضييق]، ومُبْدِعو (الاعتراف بالآخر) هم صُناع الإرهاب والإكراه.. وهذان الفريقان هما الآن الواقع العملي الـمُشاهَد على أرض الشام قصفاً وإحراقاً بتدخُّلٍ سافر لا تَقِيَّة فيه، وأحد الفريقين نال (حق الفيتو) من الأمة الأقوى بهذا الصمت العالمي العجيب؛ فأين ميثاق التعامل الدولي بعد انتصار الحلفاء المانع من تدخل دولة أجنبية في شؤون دولة أخرى؟!.. وَقَبِل هذا الميثاقَ المستضعفون مع أن الأمة الواحدة لغة وديناً وتاريخاً وحلفاً هي الأحق بالإصلاح بين الطائفتين من دولهما ومُقاتلة التي تبغي.. وإما أهل كتابٍ، وهم فريقان جمعهما القبول الذليل لمنطق الصهيونية في تفسير العهد القديم مثل رؤيا حزقيال.. وفريق منهم إيمانه ببعض دينه مُجرَّد اعتقاد، والممارسة عند قلة من العجائز.. والفريق الصهيوني له من دينه الوضعي سَعَةٌ بأن يكون ظاهرياً مسلماً أو وثنياً أو غير ذي دين، ولكن الممارسة - ولا سيما في أرض فلسطين - فهي دين صهيوني وضعيٌّ يُطبَّق بصرامة ودِقَّة، وها هو العهد القديم بين أيديكم بلغتكم العربية؛ فاقرؤوا ما فيه من عدوان صارخ على البشرية، وعدائهم للنصارى أشد.. وها هو التلمود البابلي شارح العهد القديم بين أيديكم بلغتكم العربية في عشرين مُجلَّداً، فاقرؤوا ما فيه من الشرائع العنيفة الظالمة، ولا سيما ما يتعلق بحقوق المرأة.. فهل رأيتم أو سمعتم من اعالم المتنفِّذ كلمة واحدة تتدخل في منهج تعاليمها، أو في تطبيقها الظُّلْم باسم الدين، وفرض حقوق المرأة، أو محاسبتها على الإرهاب.. ومن الإسقاط الوَهْمُ الغبيُّ بأن لأمتنا الضعيفة، أو من خرج على منهجها من صانعي الإرهاب بأدواتٍ بدائية: اليدُ الطولى - ولا يد لها أصلاً - في حادث 11 سبتمبر في قلب الولايات المتحدة، ولو تابع الكمَّ الهائل الذي كُتِب حول الحادث من المقالات والكتب - ولا سيما كتابُ عالمٍ ألماني محايد -، واصطحب ضرورات الفكر في فهم الوقائع: لوجد أن الجوازات السليمة من أي حريق أو بَلَل هي لأحياء يُرزقون في السعودية وفي أمريكا وغيرهما، وأن الطائرتين أصبحتا رماداً ولم يوجد الصندوق الأسود؛ فكيف بَقِيتْ الجوازات على قيد السلامة؟؟.. وأن العالِم الألماني سجَّل أسماء الهالكين من رُكَّاب الطائرتين بأسمائهم وهوياتهم إحصاء وعدّْاً من جنسيات مختلفة ليس فيهم سعودي واحد.. وأن المحلَّ المستهدف مُفْرغ من نزلائه اليهود الصهاينة وهم آلاف قبل الحدث باثنتي عشرة ساعة، وأن فَقْد الصندوق الأسود محال، وأن انطلاق متسلِّل من السعودية أو القاعدة بِعِدَّةٍ بدائية في مثل الولايات المتحدِّة بطيرانها من أبعد المحال، وليس هو في القدرة ألبتة، وإنما الكارثة تدبير صهيوني من الداخل.. مع العلم أن أيَّ دولة عادية (وناهيك بالولايات المتحدة) لو تجاوز طيَّارُها خطه المرسوم لوُجَّه إليه في الجوِّ الإرشاد ثم الإنذار ثم الإسقاط إن تمادى؛ فما بالك بهذا الانحسار البعيد الغاشم إلى أبرز مَعْلَم في الولايات المتحدة ؟!.. وليس في الأمر لَبْس ولا غموض لدى الأمريكيين الذين جعلوا أفراداً من السعودية وعموم القاعدة البدائية مِشْجباً يُعَلَّق عليه أجلُّ حدث في أعظم دولة حصينة!!.. ولكن الأمر على ثلاثة أنحاء هي: مَنْ لا يجرؤ على الكلام في الولايات المتحدة، ومَن كان سبتياً بعد أن كان أحدياً علناً منذ تربية بوش الجد منذ قرنين (وتلك هي العقول المدبِّرة انْخداعاً بالميتافيزيقيا الوضعية من رؤيا حزقيال)، ومَن تحرَّى صحةَ الواقع من العرب والأوربيين مُبَرِّئين الأفراد السعوديين والقاعدة التي فَخُرت بغير مَفْخر، وفرحت بنسبة الحدث إليها.. اكتفى أولئك بالتبرئة، ولم ينبسوا بكلمة عن مدى علمهم بما وراء الحدث.. ولي جولة إن شاء الله مع ما طرحه الدكتور عمر عن التوحيد ومناهج التعليم؛ وإنما أريد منه في هذه العجالة (بعد أن انكشف كل غطاء فيمبين حادث 11 سبتمبر وبين لحظتنا هذه): التأني فكراً، والتوسع في تاريخ العصر وأدبياته، والعودة إلى ما ذكره عن التوحيد والمناهج التعليمية بعقل لاقط وقلب ورع يخشى يوماً تشخص فيه الأبصار، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى؛ ذلك أنني رأيت عنده تراجعاً سريعاً مؤلماً وهو يريد الخير بلا شكٍّ ولا ريب؛ لأنه أظهر منطقاً يؤيد بإطلاق الهجمة الأمريكية بالخطاب السياسي التضليلي، والممارسة الظالمة بالبطش العسكري، وترحيبه بصانعي (الإسلام الديمقراطي المدني).. وجاء هذا التأييد على لغة الإقرار بأننا مجتمع متطرف ومنعزل وعازل يدرِّس الكراهية وعدم التسامح والازدراء بالآخرين.. إن في هذا التراجع ما يفتِّت كبد كل رجل مسلم؛ فالتطرف وتدريس الكراهية إنما هما فيما بين يديك من نصوص العهد القديم والتلمود.. وهما فيما بين يديك من كتب ومقالات وأفلام بأمريكا وأوربا عن ازدراء الإسلام وأهله، والقدح في حق محمد صلى الله عليه وسلم بما لا يليق بحق نبي كريم، ولو اقترف هذا الجرمَ أحدٌ في حق موسى أو عيسى أو أي رسول عليهم الصلاة والسلام عندنا لأقيم عليه حد الله بصفاء الدين الذي عليه دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.. إن الإيمان بجميع رسل الله وأنبيائه وتكريمهم من أركان ديننا الإسلامي، ونصوص ديننا واضحة عن: البراء، والولاء، والمسالَمة، والإحسان إلى ذي الذمة والمعاهَد ومن لم يَعْتَدِ علينا ولم يتعرض لحرية ديننا في أرضنا.. وهذه النصوص لا لبس فيها، وفيها البيان الواضح لموقفنا ممن يعادينا ويظاهر علينا.. وهي واضحة فيما أوجبه علينا من الوفاء، وإعطاء الحق، ورفع الظلم، والبر والإحسان للذمي والمعاهَد والمسالم والزوجة الكتابية.. وحقي على أخي عمر أن يتراجع عن هذا التعميم، ويفحص مناهج تعليمنا، ويحاكمها إلى ديننا بروح متخصِّص أو توجيه متخصص بمقتضى العدل، ومِن أجلِ حرمة التخصص بدقة في الاستنباط من الدين بشرائط الاجتهاد.. على أن ابتغاء الأفضل والأوضح والأنفع مطلوب دائماً.. ومثل ذلك التعميم عن مُقَرَّرات التوحيد يَرُدُّها كذلك إلى براهين يُحْتكم إليها عن تخصُّصٍ؛ لأن المبتَغَى مراد شرعي لا أهواء بشرية، ثم يأتي ولو بمثال واحد على أن مقررات التوحيد اتَّسمت بالتكفير والتبديع بغير حكم الشرع.. إلخ.. ثم عدول الأمة وعلماؤها حاضرون لاستدراك الخلل.. إن التكفير والتبديع ليس تهمة ازدراء بإطلاق؛ بل نبحث عن ماد الشرع استنباطاً من نصوصه الصحيحة ثبوتاً ودلالة مجتمعةً؛ لنعلم ما هو كفر في نفسه، ومتى يكون تكفيراً لمرتكبه، ومتى يكون الحكم بالكفر أو التكفير مما لا يرضاه الله؛ فالكفر والتكفير، والبدعة والتبديع من حق الله لا من حقنا، وكل ذلك موضوع للأحكام الشرعية، والمُبْتَغَى كما أسلفت مراد شرعي لا أهواء بشرية.. والمراد الشرعي لا يُحَصَّل إلا بأهلية الاجتهاد والتخصص.. وهكذا قوله: (إن نصف مقررات التوحيد في مراحل التعليم لا علاقة له بالتوحيد)؛ فهذا إحصاء تعميمي رخيص جداً من جهة الفكر، آثمٌ جداً من جهة الشرع؛ فلا بد من نماذج تُعادِل نصف مقرر التوحيد أو جزء منها وهي لا علاقة لها بالتوحيد؛ وإذْ لم يفعل فذلك ظلم عظيم لدين ربه، والقيِّمين من علماء أمته، والقائمين على حقل هذا العلم، وإلى لقاء عاجل إن شاء الله، والله المستعان.
- عفا الله عنه -