ما أصبر الجحش على بني البشر، فالله سبحانه قد سخّره لخدمتهم لكنهم يسومونه سوء العذاب والإهانة الجسدية والمعنوية، والجحش في اللغة : الجسيم القوي، أو النشيط في بدنه وعمله، وقرأت أن بعض العرب تسمّي الحمار الفتي بالجحش لهذا السبب، غير أن هذه الفتوة و(الجحشنة) لا يقابلها الإنسان بالتقدير والوفاء لهذا الحيوان الطيب المطيع، القنوع بما يتيسر له ليس لانعدام الشهية والذوق عنده، إنما خنوعاً تحت وطأة ظلم الإنسان له، ومن فائض جوره وجحوده فإن كل وصف غير لائق يتم تحويله (لأبي صابر) وإلباسه إياه وكأنهم يمنحونه وساماً عكسياً لئلاّ يمنّ عليهم بخدماته لهم، فأي وصف لا يرغبه ابن آدم يسقطه على الحمار ويضعونه في صور تعبيرية يفرغون بها مكنون النفس وما تحوي الصدور, من ذلك صورة تم تداولها تزامناً مع موعد ما يسمى (فلانتاين) عيد الحب، حيث يظهر الجحش الشاب وقد تزيّن بحلة قشيبة تحاكي (حلّة أبا الحصاني في كتاب الزعفراني) كما جاء في مسرحية حسين عبد الرضا، تزينها مطرزات من الزري الذهبي المطعم بالديباج الأحمر، وربطة عنق حمراء وزخارف مطرزة تتدلى من جوانب جسمه، وكتب تعليق على الصورة (الحمار يستعد لعيد الحب)، وهذا على الأرجح من أعمال معارضين لما يجري خلال مراسم هذه المناسبة وبين من استميلوا إليها، والرسم كناية عن رفض المجتمع للمناسبة وأنها لا تمت لمعتقده ولا لعاداته بأي صلة، ولو كنت أمام راسم هذه الصورة لقلت له: لا يمكن أن يؤاخذك إنسان على رأيك في أمر ما رفضاً أو قبولاً، غير أن المستهجن هو الاعتراض بأسلوب التحقير كوصف من يخالفك الرأي بالحمار أو الكلب أو حتى القرد وغيرها فهي كلها مخلوقات الله ولم يخلقها عبثاً سبحانه، حتى وإن كان الإنسان يفوقها في ما منحه الله له من ميزة العقل والبصيرة وسخّر الحيوانات لخدمته إلا أن احتقار خلق الله ووصف أخيك الإنسان بها غير مقبول نظراً لما ينطوي عليه هذا التشبيه من الانتقاص والازدراء لمجرد الاختلاف بالرأي ووجهات النظر، وما لم يقترف أخيك إثما يثلم آدميته وينزله منزلة أدنى البهائم منساقاً وراء نزواته ورغباته المنحرفة عن جادة الحق، خارجاً بسببها عن الصراط المستقيم بما يبرر وصفه بذاك الوصف، فمما تم الأمر به والحث عليه التحاور وتبادل الآراء والأفكار بأسلوب راق يعلو على هذه الترهات والأحقاد ليكون الرأي محل قبول وتقدير ونكون ممن يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومن المجادليبالتي هي أحسن وأقوم، ثم لو أن الطرف الآخر حين يختلف معك في رأي ويصفك بما تكره ألا يغضبك؟! فأحب للناس ما تحب، وعاملهم بما يليق بك وبهم، وتذكّر قول المولى سبحانه في (الآية 11 من سورة الحجرات)، عد إليها وأعد قراءتها وتدارسها وتأمل ما جاء فيها من تفسير، لتدلك قراءتك إلى معين صاف بإذن الله من الذكر الحكيم والأحاديث الشريفة الدالة على هذه المعاني الراقية النبيلة لتنهل منها علماً نافعاً ينير البصر والبصيرة، بما يفتح لك نوافذ من المعرفة لتسمو بتعاملك مع أخيك الإنسان.
t@alialkhuzaim