في مجلس الدكتور عبدالرحمن بن حمد السعيد حكى لنا المربي الكبير الأستاذ عبدالعزيز المنقور قصة واحدة فقط من قصص طلاب البعثات إلى أمريكا في عقد الستينيات من القرن الميلادي الماضي بعد أن استدرجه الدكتور عبدالرحمن لرواية تفاصيل القصة العجيبة.
الأستاذ عبدالعزيز المنقور، كما يعلم كثيرون، هو الملحق التعليمي في الولايات المتحدة خلال فترة الستينيات الميلادية وحتى العام 1977.. وقد كان الرجل «أسطورة» في تعامله الأبوي مع الطلاب السعوديين وفي صبره وحرصه عليهم ومتابعته لشئونهم.
كان متسامحاً ومتفهماً ولكنه كان أيضاً حازماً صارماً عندما يتطلب الأمر، وهو ما يتضح من الحكاية التي بدأ الدكتور عبدالرحمن بروايتها نقلاً عن آخرين ثم طلب من الأستاذ عبدالعزيز إكمال تفاصيلها. ولن أسمح لنفسي بنقل هذه الحكاية، كما أنها ليست موضوع هذا المقال، لكنني سأطلب -مجدداً- من أستاذنا الكبير عبدالعزيز المنقور أن يُخْرِج للقراء بعضاً مما في مخزونه الثري العميق من الحكايات والمواقف التي عاصرها في الولايات المتحدة عندما كان ملحقاً تعليمياً لأن الفترة التي قضاها هناك تعتبر مفصلية في تاريخ التعليم والبعثات.
عندما سافرتُ في بعثة إلى أمريكا كان الأستاذ المنقور يلملم أوراقه للعودة إلى الوطن فلم أتشرف بلقائه ولم أحظَ بالرعاية التي كان يحظى بها الطلاب المبتعثون، لكنني وجدتُ ذِكْرَه الطيب على كل لسان. فقد كان، حقاً، أسطورة.
وعلى مدى سنوات البعثة كنت أسمع مئات الحكايات من الطلبة الذين سبقوني في البعثة عن مواقف شخصية رائعة مع المنقور، فلم يكن يتعامل مع طلاب البعثة إلاَّ بوصفهم أبناء له. لم أسمع من أي طالب قصة تحكي عن موقف سيئ أو تقصير من المنقور الذي كانت أعباء وظيفته تمتد لتشمل الولايات الخمسين كلها حيثما يكون هناك طالبٌ سعوديٌ يدرس في أي بقعة من أمريكا. وقد كان يحجز مقعداً بالطائرة على أقرب رحلة إلى أيّ مدينة أو بلدة أمريكية يواجه فيها الطالب المبتعث مشكلة دراسية أو شخصية.
في الحفل التكريمي الذي أقيم للأستاذ المنقور في الرياض مطلع العام الماضي 2012 تحدث كثيرون ممن كانوا ضمن البعثات الطلابية للولايات المتحدة في الفترة التي كان الأستاذ المنقور ملحقاً ثقافياً في أمريكا، وعبروا عن مشاعرهم تجاه هذا الرجل، وروى بعضهم جوانب من ذكرياتهم مع المنقور وما قدمه لهم من دعم ومساندة وتوجيه. هؤلاء، وأمثالهم كثيرون، هم غرس تجربة البعثات، وقد أسهموا في تطوير وتحديث مجتمعهم وتسنموا أعلى المراتب، وكلهم يشعرون بالامتنان لعبدالعزيز المنقور.
ما نتمناه من الأستاذ المنقور هو أن يكتب مذكراته ويروي تجربة الابتعاث التي أشرف عليها في الولايات المتحدة، أو يستعين بمن يوثق ويكتب عن هذه التجربة بتفاصيلها التي ستقف أمامها الأجيال القادمة بوصفها مشروعاً وطنياً تحديثياً نتجت عنه نقلة تنموية غير مسبوقة في تاريخ بلادنا.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض