|
يخيل إليّ أن الرياض لو أذِن لها أن تتحدث لذرفت دمعاً على من افتقدت خطوه على أرضها.. هذه ليست كلمات شاعرة عابرة وإنما مشاعر مخلصة تستند إلى واقعٍ يُظهر فَقْد سمو الأمير سطام بن عبدالعزيز بعضاً منها. فالأمير سطام بن عبدالعزيز، -رحمه الله-، كانت حياته الرياض.. بها ولد ونشأ وتعلَّم.. ثم عاد بعد أن أكمل دراسته ليكون ضمن نسيج تاريخها وتطورها حتى اختاره الله إلى جواره. أكثر من خمسة وأربعون عاماً، هي كلُّ حياته العملية، قضاها في الرياض وللرياض.
لا شك إن اختيار سمو الأمير سلمان, -حفظه الله-, لسمو الأمير سطام, -رحمه الله- ليكون شريك درب ورفيق تنمية منذ أكثر من خمسة وأربعين عاماً لدلالة واضحة على بعد نظر الأمير سلمان وتميز مخبر الأمير سطام، فقد كانا لهما ما أرادا وأثبت الزمن توأمتهما في الإدارة فأحبهما أهالي الرياض كما هما سلمان وسطام. وامتزجت الأسماء بالتاريخ والجغرافيا, واستمر وسيستمر تاريخ الرياض المنطقة والمدينة ممزوجاً بشخصيتي سلمان وسطام، فلهما في كل موقف مكان وفي كل قلب مكانة. نمت منطقة الرياض وتطورت بقيادتهما الحكيمه واستمر الأمير سلمان حاكماً حازماً حكيماً محباً للمنطقة وأهلها، وظل الأمير سطام ساعده الأيمن الأمين كلَّ تلك السنين يعمل معه بتناغم المدرك وإتقان المتابع. ويكنان لبعضهما احتراماً قد لا يوازيه إلا محبتهما للرياض. نعم كانت العلاقة بينهما ملفتة فرغم تقارب السن بينهما إلا أن ما يجمعهما أكثر وأعمق من ذلك بكثير.
كان الأمير سطام بن عبدالعزيز -رحمة الله عليه- دقيقاً في تعامله ومتابعاته، وكان يعطي المسؤولين العاملين معه أو المعنيين بجوانب تطوير المنطقة الوقت الكافي للحديث وعرض آرائهم، ويكمل ذلك بالحوار البناء الواثق في شفافية تامة يسودها الحرص على المصلحة العامة. وكان مع ذلك إنساناً فيه البساطة تتجلى في أجمل حالاتها، في تواضع طبيعي، حريصاً على قضاء حوائج الناس بابتسامة تسبق رأيه أو قوله. وقد تعرفت عن كثب إلى ملامح من تلك الإنسانية خلال العمل معه وفي عدد من اللقاءات والاجتماعات والجولات الميدانيه وكذلك أحد الزيارات الرسمية خارج المملكه سعدت فيها بمعيته.
تشرفت بالعمل مع سمو الأمير سطام عن قرب طيلة الخمسة عشر عاماً الماضية أثناء عملي أميناً لمنطقة الرياض.. وسعدت بأبوته الحانية والتي كانت على الدوام تظهر في لباقة التوجيه مقرونة بصدق الابتسامة. ورغم التواضع الجم لسمو الأمير وبساطته ولباقته وحسن تعامله ولين جانبه مع الجميع إلا أن ذلك يقترن دائماً ببعد نظر وبإدارة حازمة وبشجاعة في اتخاذ القرار وبمتابعة حثيثة لتنفيذه.
كان رحمة الله عليه يحفز ويشجع للحوار ولإبداء الرأي وبصوت عالٍ ويقبل بكل أريحية الرأي الآخر.. الشواهد على ذلك كثيرة ولن يتسع المجال لذكرها ولكن سأوجز عن آخر اجتماع كان سموه قد ترأسه قبل إجازة الصيف الماضي وهو الاجتماع السنوي العام والذي يضم أعضاء الهيئه العليا لتطوير مدينة الرياض ومجلس المنطقة والمجلس البلدي ومجلس الغرفه التجاريه وعدداً من مسؤولي الخدمات في المنطقة ومن رؤساء تحرير الصحف المحلية ورجال الإعلام, وهو اجتماع سنوي تناقش فيه مشروعات المنطقة والخطط والبرامج الإستراتيجية لمدن المنطقة ومحافظاتها.
في ذلك الاجتماع وكعادة سموه, ترك للجميع الفرصة للحديث والنقاش وطرح الرؤى والأفكار وبسقف عالٍ جداً من الحرية في النقد والانتقاد ولم يترك راغباً في الحديث إلا وأعطاه الفرصة كاملة. وكان يطلب منا كمسؤولين الرد على الملاحظات وتقبل الحوار بصدر رحب.. وقد علق الكاتب الدكتور عبدالعزيز الجارالله والذي كان حاضراً للاجتماع في مقال له نشر في صحيفة الجزيرة يوم السبت 12 رجب 1433هـ عن هذا اللقاء وما دار فيه من حوار ساخن وصريح مختتماً مقاله بقوله : «نحتاج إلى هذا الجدل الساخن والحاد الذي يتم على الطاولات, ونحتاج إلى مهارة وهدوء الأمير سطام بن عبدالعزيز في فتح الحوار والمحافظة على حرارته, وأيضاً جميع الفرقاء والشركاء والمراقبين على طاولة واحدة من أجل الرياض المدينة والمنطقة.
ما ذكره الدكتور الجارالله عن هذا اللقاء ودور الأمير سطام في تحفيز الحوار الإيجابي ولكل الأطراف هو ما كان ينطبق على جميع اللقاءات والاجتماعات واللجان التي شاركت فيها مع سموه, -رحمه الله-, وهذا هو سطام بن عبدالعزيز يحرص بخبرته ووطنيته وصدق سريرته على الوضوح والصراحة وإظهار الحقيقة كما هي لا تجميل ولا تغيير ولا إخفاء.. وتزداد سعادته كلما أتيحت الفرصة لصاحب رأي للتعبير عن رأيه مهما كان مختلفاً ومهما طال وقت الاجتماع. وأذكر أن أحد الإخوة قال لسموه بعد نهاية الاجتماع إن الوقت طال على سموه فكان رده, رحمة الله عليه, استمتعت بالحوار والنقاش وكان عندي الاستعداد للبقاء لأستمع لكل وجهات النظر حتى لو بقينا لأذان الفجر.
رحمك الله يا سطام وجعل بساطتك وتبسطك وابتسامتك وسعة صدرك للناس في موازين أعمالك.. كنت ألمس سعادته, يرحمه الله, أثناء جولاته ومشاركاته السنوية طيلة الخمسة عشر عاماً في احتفالات العيد وكان يصر دائماً ويقول لا تقولون سطام بيقوم بجولة أو بيزور أو يتفقد الاحتفالات، بل سطام مواطن وبيشارك الناس فرحتهم واحتفالاتهم في العيد وهو ما كان يتم.. فقد حرص رحمه الله, على المشاركة بكل أريحية.. وكان يحرص على الذهاب لاحتفالات الأحياء الأقل إمكانات مادية ويتفاعل مع الناس, ولا يسمح للشرطة أو للمرافقين بأن يمنعوا أو يحولوا دون أي مواطن أو مواطنة من السلام عليه والحديث معه. وأذكر أننا في الأمانة في إحدى السنوات غيرنا في برنامج مشاركته, رحمه الله لتشمل مواقع أخرى تختلف عن السنة التي سبقتها وأصر على إضافة موقعين سابقين ذكر أنه يحب مشاركتهم لبساطتهم وعفويتهم ولأنهم من أصحاب الدخول المحدودة وأنهم لذلك أهم عنده من غيرهم.
كان سمو الأمير سطام يؤمن بدور الشباب ويؤكد في كل مناسبة على أهمية اعتبارهم ومتطلباتهم من أجل مستقبل أفضل للمنطقة, وأذكر أن سموه رعى دورة للمراقبين الصحيين في أمانة منطقة الرياض، وسر كثيراً بحماس الشباب وأصر على البقاء معهم طويلاً، رغم التزاماته، منبهاً إلى أن «هذا اليوم يومهم وعلينا أن نتم فرحتهم ونشاركهم أياها».
حين تولّى سموه إمارة منطقة الرياض كان استمراراً للمدرسة التي تعلَّم منها ونهل من خبراتها، وبدأ في إكمال المسيرة وإتمام رسم الرؤية. وقد كان رحمه الله شريكاً حاضراً بفاعلية في مراحل تنمية منطقة الرياض، وكان يردد بعد أن تولى إمارة منطقة الرياض بأنه ملتزم بنهج مدرسة سلمان وعلى الجميع استشعار ذلك والاتزام به وكان يردد نعم؛ لإدارة المنطقه نحتاج التطوير والتغيير وبذل الجهود الإضافية واستقطاب الكفاءات ودعمها, إلا أن منطلقنا المدرسة التي تعلمنا جميعاً فيها وهي مدرسة سلمان.. لذلك ومنذ اليوم الأول لتوليه إمارة منطقة الرياض أخذ بالدفع وبحماس شديد بملفات تنموية قائمة كانت على أولويات الأميرين سلمان وسطام مثل ملف النقل العام وملف السلامة المرورية وملف صحة البيئة ومشروعات شبكات السيول وغيرها من ملفات البنية التحتية.. وحرص رحمه الله, أن يدفع ببعض الملفات القائمة إلى صف الأولويات لعل من أبرزها مشروع سموّه لتنمية المحافظات والذي انطلق من قناعته بأهمية الرقي أكثر بتنميتها واعتبارها أساساً في معادلة التنمية. ولعل المقابلة التي أجرتها صحيفة الجزيرة مع سموه ونشرت بعد وفاته، توضح الكم من الآمال والتطلعات التي كان يحملها سموه، وتبرز بوضوح اتساع أفقه فيما يمكن أن يُعد رؤية شاملة واعية لمستقبل المدينة مبنية على الخبرة والحرص والمحبة للرياض وأهلها والتي ستكون دون شك، معينة لمن حظيت بهما الرياض، ليكملا مسيرة نموها برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، -حفظهما الله-.
ستظل الرياض, أناساً وأمكنة, محتفظة ما بقيت بسمو الأمير سطام بن عبدالعزيز في ذاكرتها، وسيبقى ذكره بين من عرفوه وأدركوا إنسانيته وفضله. عرفانا بدوره المشهود في تطوير منطقة الرياض لسنوات ستظل ذاكرتها أبداً حافلة به.