الغلو: المبالغة في المباح بما يزيد عن الحد، والغلو في النصح والإرشاد يتسبب في القضاء على روح المبادرة عند جيل الشباب وتجعله يستمرئ الحياة البليدة والهامدة، وفي حالة انتظار دائم لعملية التوجيه والتلقين.
نعلم أن الأطفال لديهم شغف لمتابعة الرسوم المتحركة؛ المعززة بالألوان الصارخة، والمؤثرات الصوتية العالية، والنغمات المتغيرة مع سرعة الانتقال من مشهد إلى آخر، وجميع مسلسلات الرسوم المتحركة، تتميز بقدر وافر من التسلية وكثير منها يهدف إلى تنمية فكر الابداع العلمي في شخصية الطفل عن طريق توظيف الخيال العلمي وتضخيم المؤثرات السمعية والبصرية والمبالغة في الآثار المترتبة على الحدث، ولكن في حدود الواقع الملموس الذي يعيشه الطفل. للرد على المشككين في فاعلية الرسوم المتحركة وأنها صناعة ضارة تترك آثارا سيئة في شخصية الطفل؛ نلفت نظرهم إلى الابداعات التي حققها أطفال العالم الغربي مقارنة مع باقي أطفال العالم.
العالم الإسلامي في حاجة إلى دراسة هذه التجربة ومحاولة الاستفادة منها لإنتاج رسوم متحركة اسلامية تشعل في شخصية الطفل، جذوة الإبداع، وتنمي لديه الفكر الخلاق، دون أن يترتب على هذا العمل انتهاك لحرمة الاسلام. رأينا كيف تسبب انتاج مسلسل عمر رضي الله عنه في انقسام نصفي بين أصحاب الرأي الديني؛ فريق يبيح عرض المسلسل، وفريق آخر يحرم، والانقسام بين الفريقين يدور حول محور شخصية الممثل المؤهل للقيام بدورعمر؛ ففريق التحريم أخذ بحجة لا يوجد هناك رجل يمتلك سيرة ذاتية تحمل من التقوى والصلاح ما يؤهله أن يتقمص شخصية الفاروق؛ فعمر رضي الله عنه رجل مشهود له بالجنة، بينما حجة فريق الاباحة أن الاصل في الشيء هو الحلال، وحجة التحريم هي محض اجتهاد بلا دليل.. لقد بلغت تقنية الرسوم المتحركة درجة عالية من التطور، يمكن بواسطتها اخراج مسلسلات كرتونية عالية الجودة وخلابة، تسلب لب الأطفال، وسير الصحابة تزخر بالقيم التي يمكن إنتاجها في محتوى كرتوني شيق للأطفال دون تجسيد لشخصيات الصحابة، تجنبا لشبهة التحريم التي اكتنفت مسلسل عمر رضي الله عنه، والاستعانة عوضا عن ذلك برموز اعتبارية أخرى تحمل تلك القيم التي حملها الصحابة رضوان الله عليهم.. العالم الإسلامي يعاني من غياب الفكر الإبداعي، وتنميته بين الأجيال مشروع طويل الأجل يحتاج إلى غراس مبكر منذ الطفولة، ولن يجدي نفعا تنميته في الآباء فقد فات عليهم موسم الغرس. العالم الغربي يمتلك تجربة رائدة في صناعة الرسوم المتحركة ترتكز على تطبيقات علمية خيالية بأدوات مستمدة من بيئة الطفل ساهمت مع التعليم المنهجي في جعل أطفالهم مبدعين ومبتكرين؛ بعضهم أصبح مصنعي مركبات فضائية.. لعلنا نستفيد من تجربتهم..
الخلاصة:
الطفل لا يدرك حقيقة الماضي أو المستقبل، ولتنمية ملكة الإبداع في شخصيته الاسلامية، يتعين تصميم الرسوم المتحركة بمحتوى يلامس الواقع المعاصر الذي يعيشه الطفل، وعلى سبيل المثال انتاج مسلسل كرتوني عن رحلات ابن بطوطة، سيمنحنا مجالا واسعا لتقديم حزم مضيئة عن علوم الدين والحضارة وكثير من التطبيقات العلمية مع امكانية إخفائهما بين ثنايا التسلية والمتعة، ولكي يصل المعنى المستهدف إلى ادراك الطفل، يتعين إخراجه كعالم افتراضي بصور زاهية تجمع بين عصر النهضة الاسلامي والعصر الحديث. نستطيع من خلال الرسوم المتحركة زرع منهج الابداع العلمي في مخيلة الطفل، كما نستطيع تنمية نزعة القبول والترحيب لديه بمختلف الشعوب والقبائل وأتباع الديانات والحضارات، فالطفل ليس لديه تقدير لمعنى المسافات، ويرى العالم صغيرا لا يتجاوز الملموس، وبفطرته لا يعرف التطرف والكراهية ولا الغلو والعنصرية، وإنما يكتسبها من البيئة المحيطة به. نستطيع، من خلال الرسوم المتحركة، زرع وتنمية القيم الاسلامية والمعاني والانسانية في شخصيته، فالطفل عبارة عن صفحة فارغة نكتب فيها ما نشاء.
khalid.alheji@gmail.comTwitter@khalialheji