تراودني أحزان كما الموج.. كلما تمعَّنتُ في الذي يحتفي به الفضاءُ من حولنا.. ومن ثمَّ وسائل الإعلامِ..
فالأفراح تُهلل, والعناوين الكبيرة تُخط, والأخبار البارقة تُنشر، والميزانية المقدرة ترصدُ، حين يكون الشأن لبرامج الغناء، ولاحتواء بعضها للمواهب في مجاله, أو عند بدء قنواته الفضائية مواسمها الصاخبة..
الحزن يعتريني فيمن يجعل همَّه، ويسخر قدراته للغناء فقط..
فتكون له بادرة الجلسات التي تشغل وقته.. ومن ثم وقت البشر..
وتهدر خيرَه.. ومن ثم خير البشر, وتهيمن على فكره، ومن ثم على فكر البشر..
الأمر ليس إلا تساؤلاً جاداً: إلامَ يُشغل الناسُ بما لا ثمر له..؟
فألا يتفكر المغنون في حصادهم شأنٌ، وأن يهيلوا الطوامسَ على انتباهة الناس شأن آخر..!
ويماثلهم من يبتكرُ النظير من البرامج، ومن يشرف ويقدم بل من يقوم بالتحكيم فيها، ومعهم من يشارك فيها..!
فالغناءُ على أية حال ليس مطمحاً لنهضة جيلٍ، ولا لبناءِ تاريخ.. ولا لمنافسة في مضمار إنجاز..!!
كما أتوقع إدراكاً بشرياً عاماً لهذه الحقيقة.. وتحديداً في مجتمعات يحتاج فيها الجيل لأكثر من احتواء، لأثمر الزرع..!
لكنه الزمان الذي فيه الفتن كقطع الليل..!
بعض الفتن يصنعها من يجعل همه اللهو، وملء الوقت بالفراغ، والهدر..
إذ هناك العديد من المجالات التي يمكن أن يروِّح فيها الناسُ عن أنفسهم لكي لا تكلَّ فتعمى..
غير أن تكون هناك قنوات تتخصص في جلسات الطرب، والغناءِ، والرقصِ لرجال يفترض أن يحفهم الحياءُ، فإن الأمر ليس فتوحاً بنور يشرق.. بل إغلاقاً بظلام الأرواح..
الترويح عن النفوسِ حين يبلغ الهدرَ يحتك بحدود مُهلكة..
العجيب أن الإعلامَ، والناسَ، ينتظرون مثل هذه القنوات الفضائية، ويرحبون بها، وبجلساتها..
ويحتفون برموزها.. كأنهم أبطال في ساحة وغى..
فيسخِّرون لها ولهم أوقاتهم.. فيكون الهدر المسؤول عنه..
فما تكون الإجابةُ للسائل..؟
وكأن الناس قد أفضت بكل ما عندها إنجازاً، وقامت بكل ما عليها واجباً, ولم يبقَ لها إلا مسح العرق في استراحة سماع!!
فيا للعجب.. !!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855