الهند - خاص بـ (الجزيرة):
أثنى المؤتمر العالمي «الهند والعالم الإسلامي في القرن الواحد والعشرين» الذي نظمه معهد الدراسات الموضوعية بنيودلهي في ختام أعماله بجهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في إسهامه في كل ما من شأنه تواصل السلام العالمي وحل الصدام بين الحضارات والثقافات ودعوته للحوار، وإنشائه مركز الملك عبد الله للحوار، ورفع المؤتمر برقية شكر لمقام خادم الحرمين الشريفين كتوصية أولى ضمن توصيات المؤتمر والتي شملت مجموعة من التوصيات الأخرى ومنها التقدير وتثمين التعاون من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين والمساهمة في تنظيم وعقد المؤتمر العالمي المهم، كما أوصى المؤتمر بأهمية تعاون كل من حكومة الهند وحكومة المملكة العربية السعودية لنشر ثقافة الحوار تحقيقاً للسلام العالمي، وكانت أعمال المؤتمر العالمي «الهند والعالم الإسلامي في القرن الواحد والعشرين» والذي نظمه معهد الدراسات الموضوعية بنيودلهي برعاية وزير شؤون الأقليات الهندي السيد كي رحمان خان ومشاركة مسؤولين هنود وعدد من الشخصيات الفكرية والإسلامية من الهند والعالم الإسلامي، حيث شارك وفد من المملكة برئاسة الشيخ عبد الرحمن بن غنام الغنام، وكيل وزارة الشؤون الإسلامية المساعد للشؤون الإسلامية.
وفي كلمته الافتتاحية أشاد وزير شؤون الأقليات بدور خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - في بناء جسر التواصل وأرضية للحوار بين أتباع الديانات والثقافات من مختلف شعوب العالم، مستعرضاً مسيرة نجاح مبادرة خادم الحرمين للحوار والتسامح بناء على المبادئ الإنسانية المشتركة بين البشر، ومستشهداً بتأسيس مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في «فينا» الذي لقي الترحيب من كافة دول العالم والتقدير للمبادرة التي تهدف إلى احترام كرامة الإنسان وتعزيز التعايش والاحترام ومكافحة العنف والتطرف وتعزيز الدور الأخلاقي من خلال الوسطية والاعتدال.
وتضمنت كلمة وكيل الوزارة المساعد للشؤون الإسلامية الشيخ عبد الرحمن الغنام التأكيد على ضرورة تجسيد روح التواصل والانفتاح على الحضارات، منوهاً بجهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - الحثيثة في نشر ثقافة الحوار بين أتباع الأديان والحضارات، كما استعرض دور المملكة في خدمة الحرمين الشريفين وتبنيها لعمليات فصل التوائم السيامية ودعمها للأعمال الإنسانية في الكثير من دول العالم، كما ذكر أن المملكة العربية السعودية حريصة على نشر ثقافة الحوار والتعايش السلمي في العالم أجمع ونبذ الغلو والتطرف ونشر ثقافة الاعتدال والوسطية والتأكيد على أن الإرهاب لا لون ولا وطن ولا دين له، وأن جميع الأمم والأماكن والشعوب عانت من المتطرفين في كل زمان ومكان وأن جهود المملكة في هذا المجال كانت محل تقدير واهتمام من شعوب العالم.
وأشاد الغنام بتطور العلاقات السعودية - الهندية ومتانتها ونقلَ للجميع تحيات المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً.
كما قال رئيس معهد الدراسات الموضوعية بنيودلهي المنظم للمؤتمر د. محمد منظور عالم بأن المؤتمر سيكون تعزيزاً للتقارب بين الهند والعالم الإسلامي، مشيراً إلى ما تتمتع به الهند من علاقات تاريخية وثيقة منذ قرون مع العالم الإسلامي، منوهاً في الوقت نفسه بالتقدير والمكانة العالمية والدولية للمملكة مما جعل القائمين على المؤتمر يجعلون محوراً خاصاً لها بهذا المؤتمر يتحدث عن المملكة العربية السعودية والهند وعلاقتهما وجهودهما في مجال السلام والحوار ومع إشادته بالعلاقات الشاملة بين المملكة والهند في كافة المجالات.
الهند والمملكة
خصص القائمون على المؤتمر محوراً خاصاً كاملاً حول العلاقات السعودية الهندية ودورهما في السلام العالمي من خلال الحوار وكانت الجلسة السادسة، حيث خصصت للحديث عن هذا الموضوع ورأسَ هذه الجلسة البروفيسور أيم أيج قريشي من الجامعة الملكية الهندية، و د. عبد الله قربان رئيس المعهد الاقتصادي بجامعة الملك عبد العزيز مقرراً، وتحدث في هذه الجلسة كلٌ من: الشيخ عبد المجيد بن محمد العُمري مدير عام العلاقات الخارجية بوزارة الشؤون الإسلامية، ود. سوامي أجني رئيس عضو مجلس مركز الملك عبد الله للحوار بفيينا، ود. أيم أيم ورما رئيس جامعة الانسجام الديني راجستان، ود. بي أيس ساندور الباحث السابق بقسم دراسات الديانات السيخية في جامع البنجاب، ود. أيم دي توماس الباحث والمدير الوطني للجنة الانسجام الديني بنيودلهي.
وكان من بين المعلقين والمداخلين في هذه الجلسة كلٌ من: د. فرحة ناز قسم العلوم السياسية في الجامعة الملية الإسلامية نيودلهي، ود. محمد إقبال راتر الباحث بقسم الدراسات الإسلامية جامعة عليجره، ود. شفيع الله سيفي الباحث بمجمع الدراسات الدولية بالجامعة الملية نيودلهي.
وقد تضمنت ورقة الباحث عبد المجيد العُمري من المملكة العربية السعودية الحديث عن الجذور التاريخية للعلاقات السعودية الهندية والنشاط التجاري السابق لظهور الإسلام وتعزيز العلاقة بعد مجيء الإسلام للهند وما لقيه المسلمون وغير المسلمين من هذا الدين من احترام للإنسانية جمعاء انطلاقاً من قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107) سورة الأنبياء، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (70) سورة الإسراء، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة السائدة في عدد من المناطق الهندية، وأصبح الكلمات العربية منتشرة في لغات الهند، وجاءت الهند بالعديد من العلماء الذين أثروا الذات العربي والإسلامي بمؤلفاتهم وبحوثهم، وشهدت الرحلات العلمية المتبادلة بين البلدين تواصلاً ثقافياً ورحلات مشهودة في طلب العلم.. كما جاء عدد من علماء الهند للحرمين الشريفين، ثم شهدت الهند قدوم تجار وعلماء للهند من أبناء هذه البلاد، وفي الخمسين عاماً الماضية بدأت العلاقة الهندية تأخذ مكانة لائقة، حيث ابتدأت زيارة الملك فيصل - رحمه الله - وقد كان ولياً للعهد وتبعه مباشرة زيارة للملك سعود دامت سبعة عشر يوماً تنقل خلالها في عدد من المدن الهندية، ثم جاءت زيارة الرئيس الهندي جواهر لا نهرو للمملكة، وقد هُيئ له إلقاء خطاب شعبي في ملعب رياضي لكرة القدم كامتياز لم يحصل عليه ضيف زائر للمملكة، وتم خلاله زيارة الملك سعود ومنحه الدكتوراه الفخرية من الجامعة الملية، كما منحت من بعد هذه الدرجة العلمية الفخرية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ولصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز خلال زيارتهما للهند قبل عدة سنوات وقبل هذا كان علماء الهند أول من لبى دعوة الملك عبد العزيز لأول مؤتمر إسلامي نُظم في مكة المكرمة عام 1924هـ وشارك وفود من جمعية الخلافة الإسلامية، وجمعية ندوة العلماء وجمعية أهل الحديث وتكون الوفد الهندي من ثلاثة عشر عالماً كأكبر وفد وفي المرتبة الثانية بعد علماء المملكة الذين شاركوا في المؤتمر وعددهم سبعة عشر عالماً.
متانة العلاقات
وأبان الباحث العُمري عن متانة العلاقة السعودية - الهندية وخصوصاً بعد إعلان الرياض وإعلان نيودلهي حيث تم إقرار العديد من الاتفاقيات المشتركة بين البلدين شملت كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية لتأخذ بُعداً إستراتيجياً وتحتل الشراكة الاقتصادية السعودية الرابعة على مستوى العالم وتعمل أكثر من 350 شركة هندية بمشروعات بالمملكة، وتستضيف المملكة ما يزيد على مليون وسبعمائة هندي يعملون في كافة المجالات والتخصصات مع وجود دارسين للعلوم الشرعية وفي جامعة الملك عبد الله من أبناء الهند ووجود طلبة سعوديين دارسين في الهند.
وأشاد الباحث العُمري بالتفاعل الإيجابي من الجانب الهندي مع دعوة الملك عبد الله للحوار والمشاركة الفاعلة من مختلف الأطياف سواء في المؤتمرات التي نُظمت أو وجود أعضاء في مجلس المركز، إن هناك تشابهاً ورؤية مشتركة بين المملكة والهند في النظر للقضايا الدولية والحرص على نشر ثقافة الحوار والتعايش السلمي ومكافحة الإرهاب والتطرف والحرص على الالتزام بالعهود والمواثيق سواء في إطار المنظمات الدولية أو خارجها.
وحرصت المملكة على تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها العالم اليوم، ويستدعي من المجتمع الدولي تضافر الجهود من الجميع وعلى كافة المستويات من أجل إنقاذ الإنسانية مما يتهددها من مخاطر وحينما أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من مكة المكرمة مهبط الوحي ومهوى قلوب المسلمين مبادرته للحوار بين أتباع الأديان والثقافات لما لها صدى طيب وقبول في كثير من الأوساط العالمية، ومن بينها الهند.
وكان لنظرة خادم الحرمين الشريفين الصائبة وحرصه الدائم - حفظه الله - على نزع فتيل التصادم والخلاف والتنافر المؤدي للخوف وربما للتصارع بين الأمم والثقافات أن ظهرت هذه الفكرة كما يهدف هذا الحوار إلى التعريف بالإسلام وما يملكه من رصيد حضاري يمكنه من الإسهام الفاعل في بناء الحضارة الإنسانية البناءة إضافة إلى التعايش السلمي وإلى التعريف والتواصل مع ثقافة الآخرين وتحقيق التعايش السلمي والأمن الاجتماعي بين شعوب العالم وحضاراته وتخفيف التواترات وكل ما يعوق السلم والنمو الحضاري وكذلك التعاون مع الآخرين لتحقيق الأهداف والقواسم المشتركة في محاربة الرذائل والظلم الاجتماعي والوقوف أمام التطرف الذي يتحرك باسم الأديان والثقافات العالمية من خلال حوار أساسه الأمن والسلام إلى جانب إزالة الخوف غير المبرر من الإسلام والمسلمين لدى بعض الشعوب وكذلك تفنيد الدعاوى التي تروّج لفكرة الصراع بين أتباع الديانات والثقافات.
مستوى التعايش
وتحدث في هذه الجلسة الدكتور سوامي اجني ويش عضو مركز الملك عبد الله للحوار في فينا وقال: إنه سعيد بلقائه بالملك عبد الله في مؤتمر مدريد، ونوه بأعمال خادم الحرمين الشريفين وجهوده في الحوار بين الأديان والثقافات، وقال إنه لو اجتمع المسلمون والهندوس في الهند على صف واحد لكانت الهند أسوة للسلام العالمي وذكر بأنه متفائل بارتفاع مستوى التعايش والسلام داخل البلد الواحد وبين المجتمعات طالما أن العقلاء يبذلون جهودهم في هذا المجال وبينهم رجل عظيم كالملك عبد الله، وقال: إن إمكانات المصالح المتبادلة تتميز لتقريب الناس بعضهم لبعض، وفي زماننا للعولمة أصبح العالم بلا حدود ومع الزمن نرى بوادر تشجيع على مستوى السلام بين البلدان والشعوب، وكان الباحث قد بدأ حديثه بالبسملة وبالسلام عليكم، مؤكداً إيمانه العميق بهذه الجملة وتقديره لمعانيها.
وتحدث أيضاً الدكتور ايم ورما رئيس جامعة الانسجام الديني في راجستان بالهند قائلاً: كنت ضمن أكثر من خمسمائة مدعو لمؤتمر مدريد بدعوة من الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتحدثت في المؤتمر من أعلى المنبر، وقال: كل الأنبياء والمرسلين جاؤوا برسالة الحب الإنساني والحب الإلهي، وقال إنني أقرأ القرآن الكريم بنفس العاطفة التي أقرأ بها الجيتاو الفيدا، وإن النفس الإنسانية في كل ديانة ومن كان لديهم فهم عميق للدين الذي تنتمي إليه لا ترتضي الأذى للآخرين وكل الديانات تكافح ألوان الإرهاب والعنصرية والطائفية والمملكة العربية السعودية والهند تشاركان في هذا المشروع الإنساني العظيم.
وأشار الدكتور ايم دي توماس المدير الوطني للجنة الانسجام الديني بنيودلهي قائلاً: إن للمملكة العربية السعودية والهند جهوداً إيجابية في الأمن والسلام في العالم وفي تطوير الحوار، وأنا غير مسلم ولكنني أؤمن بمعاني القرآن الكريم من معانٍ وقيم سامية فالقرآن يقول: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (13) سورة الحجرات، وفي القرآن الكريم إعلاء لشأن الإنسانية بوجه عام، مشيراً إلى ما قاله الباحث العُمري فالقرآن يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (70) سورة الإسراء، وهذه هي روح القرآن ولكن هذه الروح في كل المجتمعات والأديان تشوهها جهات وقطاعات طائفية الأغراض شتى تُؤدي في النهاية إلى الإرهاب والطائفية.
وقال الباحث الهندي توماس: الهند لها أن تتعلم الكثير من السعودية في مجال تطبيق القانون، كما أن هناك أشياء كثيرة تستفيدها المملكة من الهند وهي القيم الجوهرية وحقوق الإنسان وتبادل الخبرات في هذا الجانب، وقال في ختام حديثة: يجب أن نفهم الآخر فهذا يُشكّل النواة الأولى للحوار الثقافي والهند والسعودية تتعاونان في هذا المجال.
توصيات المؤتمر
وقد شملت توصيات المؤتمر عدداً من التوصيات التالية للمؤتمر:
1 - يكمن حل الصدام بين الديانات والثقافات في الحوار وحده، ومن شأنه استعادة وتواصل السلام العالمي، وأن هذا المؤتمر العالمي ليُقدر ويُثمّن مبادرة وجهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أدام الله بقاءه - ذخراً للبشرية بأجمعها في هذا الاتجاه بما فيه إقامة جلالته مركز الملك عبد الله للحوار في فينا.
2 - تفتقر جميع الدول المسلمة إلى مساعدة بعضها البعض في مجالات الهموم، وأن المؤتمر يشجع جميع المساعي في هذا الاتجاه.
3 - يعترف معهد الدراسات الموضوعية ويقدر التعاون من قبل حكومة المملكة العربية السعودية في تنظيم وعقد هذا المؤتمر العالمي المهم.
4 - يمكن المطالبة من الحكومة الهندية بضرورة تطوير وتحسين الأوضاع الخاصة بالمسلمين وتوفير الأمن والسلام لهم.
5 - يجب استنكار وشجب وتنديد الطائفية في كل الأبعاد والمجالات.
6 - لمعهد الدراسات الموضوعية تشكيل لجنة من أجل البحث عن سبل تطوير التعاون الحقيقي والروابط بين الهند والعالم الإسلامي.
7 - يُثمّن المؤتمر مقولة وزير موارد المياه بضرورة التعاون في مجال مصادر وموارد المياه بين الهند والدول الإسلامية.
8 - يجب التفكير في تعزيز الانسجام والتوافق في قطاعات الثقافة والرياضة بين الهند والعالم الإسلامي.
9 - يجب العمل على التعاون في ميدان التعليم والبحوث انطلاقاً من الحاجات الراهنة والإمكانات المعاصرة في الهند والعالم الإسلامي.
10 - يُثمّن المؤتمر تجاوب الحكومة الهندية ومحاولاتها لتيسير حياة المسلمين فيها، ومن ذلك حق ممارسة التمويل والمصرفية على أساس المبادئ والقيم الخاصة بهم.
11 - يُوصي المؤتمر بأهمية تعاون كل من حكومة الهند وحكومة المملكة العربية السعودية لنشر ثقافة الحوار في العالم تحقيقاً للسلام العالمي.
الجدير بالذكر أن معهد الدراسات الموضوعية في الهند تأسس عام 1986م ويُقدم مؤتمرات عالية سنوية عبر ستة وعشرين عاماً ماضية ويتمتع بسمعة طيبة لدى العلماء والمثقفين وله نشاطات وبرامج مختلفة تتعلق بالبحث والتحقيق وذلك عن طريق المؤتمرات والندوات والدورات وحلقات النقاش المتخصصة وعن طريق إجراء البحوث والدراسات العلمية وإعداد الكتب والنشرات.