|
الرياض - خاص بـ( الجزيرة):
اهتم الإسلام أيما اهتمام بالزواج لكونه الوسيلة الوحيدة المباحة لاستمرار النسل ووسيلة من وسائل حفظ الضرورات المتعلقة بالعرض، فجاء الإسلام بجملة من الأوامر والشروط الضابطة لهذه العلاقة بين الرجل والمرأة، ووضع معايير وخصائص لاختيار الزوجة والموافقة على الزوج، لضمان استمرار الحياة الزوجية على أكمل وجهٍ وخلوها مما ينغِّصُها ويُنهيها.
عددٌ من أصحاب الفضيلة يُحددون المعايير المشروعة وغير المشروعة في الزواج.
معايير القبول
بداية يُوضح د. علي بن عبد العزيز الشبل الأستاذ بكلية أصول الدين بالرياض أن الوصية الشرعية في اختيار الزوج والزوجة ما أرشد إليه أنفع الخلق للخلق، الذي بعثه الله بالحنيفية السمحة، ووصفه بأنه بالناس رؤوفٌ رحيم، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، حيث أوصى الأولياء ومن تحتهم من الموليات بقوله: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
وفي بعض الألفاظ المروية للحديث (إذا جاء أحدكم من ترضون دينه وأمانته....) الحديث.. رواه بعض أهل السنن وصححه الحاكم وابن حبان وغيرهم، فأناط صلى الله عليه وسلم معايير قبول الزوج بالرضا عنه في دينه وفي خلقه وأمانته، إذ على ذلك تكون موازنة قبول الزواج ورفضه، لا على المال أو الجاه أو شرف النسب أو الشجاعة أو فخر الجاهلية، كذلك أوضح صلى الله عليه وسلم مناحي اختيار الزوجة بقوله: (تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) أخرجاه في الصحيحين، فأول المعايير والخصائص هو قوة الدين وكماله، مع عدم إغفال للحاجات الملحة في المرأة للرجل من ناحية قبوله بها منظراً، وذلك في حثّه على رؤية المخطوبة المراد نكاحها، حيث إنه سبب في دوام العشرة بينهما، كما حثّ الشباب على الإبكار في قوله لجابر: (هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) فهذه أهم وأولى الأسباب في اختيار الزوج واختيار الزوجة.
أمور مهمة
ويُنبه الشيخ رياض بن حمد بن عبد الله العُمري المحاضر بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى أمور مهمة منها أهمية الاستخارة والاستشارة.. فالاستخارة مهمة في الالتجاء لله تعالى وسؤاله العون والتوفيق فيما يهم به المرأة والرجل من أمور الزواج.. وأما الاستشارة فهي من فعل الأسباب التي أمر الله بها لتحقيق التوفيق.. فينبغي أن لا يألو الرجل وولي أمر المرأة في السؤال والتقصي - بالأسلوب المناسب - في التعرف على الطرف الآخر، من حيث صلاحهم وديانتهم، وأصلهم الطيب ومنبتهم الحسن، وحال مجتمعهم وبيئتهم، ومعرفة طباعهم وأخلاقهم، فكثير من الزواجات تفشل بسبب تفاجؤ الزوج أو الزوجة بأوصاف وأمور، بل وعيوب شرعية في الشريك الآخر مما لم يكن معروفاً ولكن بعد فوات الأوان، إضافة إلى عدم المبالغة في الشروط والأوصاف بين الشريكين فهناك أصول ينبغي مراعاتها وعدم التنازل عنها كالدين وحسن الخلق والمعشر، وهناك أمور تكميلية إن حصلت فبها ونعمت، وإن لم تحصل وعدم البديل فلا مانع من التنازل عن شيء منها من كلا الطرفين، والإشكالية تحصل حين يتنازل الشريكان عن بعض الأصول ويتمسكان ببعض الكماليات، وكذلك التوافق النفسي والعقلي، فهو عامل مساعد ومهم بين الزوجين يغفل عنه كثير من الأزواج والأولياء، وهو مهم عند السؤال عن أحوال الشريك الآخر، فمتى ما تم التوافق أو التقارب في الجوانب النفسية والعقلية بين الزوجين، فبالإمكان تلافي كثير من المشكلات الزوجية التي تعرض لهم في مستقبل حياتهم.
الدين والخلق
ويُؤكد الشيخ فواز الأدهم المستشار القانوني إمام وخطيب والمأذون الشرعي لعقود الأنكحة أن هناك معايير منفصلة للزوج، وأخرى للزوجة وهناك معايير مشتركة بينهما، فما يتعلق بالمعايير المشروعة لاختيار الزوج أو الزوجة تكون على النحو التالي: الدِين والخُلُق وهما معياران مشتركان مهمان أساسيان وعليهما تقوم الأسرة المسلم، فمتى توافر الدين وحسن الخلق توافرت العيشة السعيدة للأسرة لقال صلى الله عليه وسلم «إِذَا جَاءَكُم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَه وخُلُقَهُ فَزَوِجُوه إِلا تَفْعَلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وَفَسَادٌ عرَيضْ».
وقد التفت سلف الأمة إلى أهمية هذا المعيار فقد جاء رجل للحَسن بن علي رضي الله عنهما فقال: «خَطب ابنتي جماعة، فمن أزوجها؟» فقال له الحَسن: «زوجها ممن يتق الله، فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها»، والاختيار من أجل المال، والاختيار من أجل الحسب، والاختيار من أجل الجمال.
لذا نبه صلى الله عليه وسلم بقوله: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك).. فهذه معايير هي في أصلها مشروعة ولها دور هام في تطمين النفس واستقرارها من كلا الجانبين.
وهناك معايير أخرى يستحسن مراعاتها وهي تلعب دوراً هاماً في الحياة الزوجية، ومن ذلك التكافؤ. ولكون التكافؤ من الأسس والمعايير الهامة في بناء الأسرة، لذا يجب التنبه إلى مراعاته, والتكافؤ يكون بما يلي:
أولاً: التكافؤ في الدِين: فلا بد أن يكون الزوج مكافئاً لزوجته في الدين من جهة المحافظة والتقيد بالشريعة الإسلامية وما جاءت به.
ثانياً: التكافؤ في السن: وهو هام جداً لفهم الزوجين بعضهما لبعض وتعايشهما.
ثالثاً: التكافؤ في الشهادة الدراسية: فلو كانت شهادة الزوج والزوجة الدراسية متساوية أو متقاربة فهذا يجعل الزوجين يفهمان ويحلان ما يدور بينهما من مشاكل زوجية ويدركان الحياة الزوجية من جوانب أخرى وينظران لها بنظرة فهم وتعقل.
رابعاً: التكافؤ في الوضع الاجتماعي، وهذا يلعب دوراً هاماً في التعايش الاجتماعي بين الأسرتين وترابط الأسرتين.
خامساً: التكافؤ في الإمكانيات المادية: وعلى الزوجة مراعاة أحوال زوجها في الطلبات المادية من صداق أو متطلبات مادية لاحقة.
كما أن المظهر الخارجي أو ما يُسمى بالمزايا الجسدية والبنيوية سواء من قبل الزوج أو الزوجة فلا شك أن لباقة الزوج أو الزوجة وحسنهما وأسلوب تناولهما وطرق النقاش والمزايا الجسدية لها دور هام في أنس الأسرة واستقرارها.. لذا جاء في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما).. وهذا لمعرفة المزايا الجسدية والبنية، وكذلك مراعاة جانب الطبائع والأمزجة.. ولا شك أن مراعاة ذلك وتعارفهما وتعرفهما في الطبائع والمزاج يوجه نظرتهما في الحياة، ومعرفة الأفكار والثقافة والأخلاق.
ويمكن التعرف على هذا المعيار بسؤال محل الثقة ومن يعرف أحوال الزوجة وأهلها وكذا الزوج.