جلست الأم متثاقلة الخطى، فالبيت خال على عروشه، الهدوء يعم المكان إلا من بعض رنين الهواتف المحمولة.
لقد ضاقت ذرعاً من هذه الأجهزة التي سلبتها متعة الحديث مع بناتها، لقد فكرت هي الأخرى أن تقتني جهازاً يملأُ عليها وحدتها، تتحاور من خلاله مع جاراتها، وتتواصل مع أبنائها، وتشترك معهم في قروب واحد، كما سمعتهم في إحدى جلساتهم يتحدثون عن ذلك.
لقد ذهبت برفقة السائق لتشتري ذلك الجهاز الذكي، الذي تفوق على عقول بني آدم، فهو يحفظ، ويتكلم، وينبه، ويصل بالعالم من خلال لمسة واحدة!
بارك لها الجميع وبدأت معه خطواتها الأولى، والبعيدة كل البعد عن مظلة الأسرة، إنها تحفظ الصادر والوارد، وتفتح الروابط، بل وحتى بعض مقاطع الفيديو، لا تفوت شيئاً أبداً، وإن استدعى ذلك إهمال بعض واجباتها الأسرية!
فهي لا ترفع طرفها، ولا تحرك رأسها، أو نثني عطفها لترى ما يدور حولها!
الجو العام في البيت بدا أكثر عزلة وجفاء وبروداً وجفافاً في المشاعر!
لقد فقد البيت صوت الأم الرؤوم الذي دائماً ما كان ينهرهم من الجلوس أمام هذه الأجهزة، وإهدار المزيد من الوقت في التقليب فيها..
لقد أدرك كل من في البيت حجم المعاناة التي وقعت فيها والدتهم بسبب هذا الجهاز الذي ساقوه لها بإرادتهم، لقد حاولوا إصلاح ما انكسر ولكن هيهات، لقد أدمنت تصفح الشبكات الاجتماعية بما فيها توتير والفيس بوك، كما فتحت لها حسابا تتابع من خلاله الأكلات والصور اليومية!
لقد زاد تعلق الأم بهذه الحسابات التي تأكل وتشرب وتنام معها، وبالمقابل إهمال في حقوق زوجها الذي يصحو وينام على تأنيب وعتاب ولوم!
بدأت المشاكل تتسلل إلى البيت الهادئ.. التي لم يمهلها زوجها أن تستوعبها سوى بكلمة: «طالق» التي جعلتها لا تلوم نفسها فقط بل تلوم كل من في البيت.. الذين سحبوها لعالم لم تعتده، لكنها تعلمته لأجلهم ومن أجلهم فقط!
أمل عبدالله القضيبي