معالي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الخويطر متعه الله بالصحة والعافية، ضرب نموذجاً قياسياً في السيرة الذاتية وذلك بحديثه الممتع عن ذكرياته، وما كان يهتم به منذ زمن طويل، وفق حديثه عن ذكرياته وأعماله، إذ بين أيدي القراء:
الجزء الثامن والعشرون “28” الذي ختمه بقوله ص 545: دونت في نهاية هذه المذكرة ما رواه لي الأستاذ عبدالعزيز الرّدّاس عن قبيلة فهم:
إنهم إلى ما قبل عشرين عاماً، كانوا يتكلمون اللغة العربية الفصحى، وبلادهم تقع بين اللّيث والقنفذة على طريق الليث، وتقع بحوالي ستين كيلو على خط الإسفلت عن طريق حوض البقر بمكة ثم قال:
سأقف هنا عند هذا الجزء وبهذه الصفحة، وهي صفحة مناسبة أن أقف عندها خاصة، وأنها تُسجل آخر ما في المفكرة لهذا العام 1411هـ، وما في ذهني عمّا فيها من حوادث والله الموفق (546).
وبعدها دخل في الملحقات من صور وفهارس ومعلومات عن كتبه، ثم نعود للكتاب وما فيه من معلومات، وما فيه من جديد بات ذا أهمية، حسبما يسمح المجال المتاح، لأنه قد جدّد من الجزء السابع عشر كما ذكرت من قبل بإحداث مذكرات لكل شهر، مرتّبة في الجزء.. وفي هذه المذكرات إضافات جديدة: علمياً وأدبياً واجتماعياً وغير ذلك من المعارف العلمية النافعة، ولكثرة الفائدة ممّا طُرحَ في هذا الجزء، فسوف نشرك القارئ في هذه الفوائد والملح.
وهذا الجزء هو الثامن عشر، من سلسلة اللّمحات الطّبعة الأولى عام 1433هـ الموافق لعام 2012م، الذي بدأه بمقدمة كالمتّبع، من 7 صفحات قال فيها: هذا هو الجزء الثامن والعشرون 28 من كتابي وسم على أديم الزمن: لمحات من الذّكريات، أعان الله سبحانه وتعالى على إنهائها، وقد رُوعي فيه ما سبق أن روعي في الأجزاء السابقة، من هذه السلسلة، فجاء مماثلاً لها في المنهج، ويحذو حذوها في تبيان ما مرّ بي، في جزء من السنة 1410هـ والسنة 1411هـ بكاملها.
سواء ما مرّ بي شخصياً أو أسرياً، أو يخص الصلة بالإخوان في الدائرة، التي كنا نحرص أن تبقى متصلة ومنتظمة، وهناك الأمور الرسمية التي سجلت وقائعها، محاولاً إعطاء فكرة متكاملة، في سير العمل، سواء في الوزارة التي أشغلها، أو الاجتماعات التي أحضرها، أو المؤتمرات التي أشارك فيها، أو الرسائل التي أحملها، أو اللجان الفرعية أو التحضيرية التي تعقد تحت مظلة لجنة أعلى لتقوم بدراسة ما قد وُكلَ إليها، من أمر يحتاج إلى التقصي، والبحث إلى آخر ما جاء في المقدمة (5-6-11) هذه الأمور فيما أظن يعتبرها من أسرار العمل، لأنه يمرّ بالقشور وما يعبر عن اللبّ إلا نادراً، لأن ما كل ما يعلم يقال، وفي كل مكان من العالم، الأسرار لها وقت محدد مع طول الزمن، ثم تنتهي السرية، وأخشى في هذه انطباق قول الشاعر: “لعل له عذراً وأنتم تلوم”، إذ لا بد أن يكون لبعض الناس سمات، تميزهم وترغب فيهم، لأن “ما كل ما يعلم يقال”.
أما الذي يبرز في بعض ما يتعلق بالأسرة، فقد رصد منها أحداثاً مهمة، تعتبر تاريخاً مرصوداً كجزء من الذكريات المهمة لكل فرد وخاصة الصغار عندما يكبروا.
إلا أنه قد أكد في المقدمة بقوله: ولا بأس أن أعيد هنا، ما سبق أن قلته: من أني أعد التاريخ الحقيقي المعتمد الوافي، هو في المذكرات الشخصية، التي استوفت شروط كتابة التاريخ الصحيح: من صدق ونقص وإحاطة بجميع تفاصيل الموضوع المطروق، دون مغالاة، ودون تمجيد للنفس، ودون محاولة الصعود على أكتاف الآخرين، ولا استرخال أمجادهم، والاعتداء عليها (ص7 إلى نهاية المقدمة)، من أمور هي مما عناه الشاعر بقوله: “لعل له عذر وأنت تلوم”.
وفي ص 12 قال: شهر رمضان 1410هـ، دخول هذا الشهر هو بداية هذا الجزء الموافق 27 مارس، وقد رأى الهلال شخصان: أحدهما رآه في بريدة والآخر رآه في تبوك، وزاره في الثاني من رمضان الدكتور منير العجلاني وأهداه كتابه عن الإمام تركي رحمه الله، وبادله الإهداء بكتابه الظاهر بيبرس وكتاب: شافع بن علي عباس، بتحقيقه هو: حسن المناقب السّرية، المنتزعة من الظاهر بيبرس.
وفي ص 15 قال: افتتح صاحب السمو الملكي، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير عبدالله (الملك الآن)، معرض الصور القديمة في مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض، وهي مكتبة توثيق تسير على الترتيب العالمي - وفي ص 21 أبان فيها بأن يوم الأربعاء 16 رمضان، هو نهاية دوام الشهر للمدارس: أساتذة وطلاباً، وفي ص 24 أفاد عن ارتفاع حرارة الطقس يوم الجمعة 18 رمضان، واستمرت في الارتفاع البطيء في الأسبوع الثاني.
وفي ص 42 ذكر أن الشعيبة كانت في الزمن القديم، هي ميناء مكة المكرمة، ولم تكن جدة معروفة حينئذ إلا عند أهلها، وأما أهل مكة المكرمة فالشعيبة هي ميناؤهم وهي محل نزهتهم البحرية، وهذه فائدة تاريخية.
وقبل ذلك طريفة من الطرائف سمعها في رمضان، أن امرأة أوصت ابنها إذا ماتت في الليل فعليه أن يبقيها إلى الصباح، وأن لا يدفنها في ظلام الليل، حتى لا تصاب بوحشة وذعر.
أما مراجعته لطبيب الأسنان فهي طويلة بدأت في ص 53، ثم في ص 55، وص 59 وهلم جرا، لأنها كثيرة والمثل يقول: لا وجع إلا وجع الضرس.
وفي ص 61 - 63 أعجبه شهامة وحسن تصرف صاحب دكان في الرياض اسمه عبدالله آل الشيخ، وملخّصها أنه جلس عنده بدوي وأطال الجلوس، وفي النهاية طلب منه الأمانة التي أودعها عنده، وهي صرّة فيها نقود قيمة بعير، لكنّه قال له لا أتذكر، أن أحداً أودع عنده شيئاً، فأصر البدوي وطال الجدال ورفع البدوي صوته، وأتهم عبدالله بالخيانة،
وخوفاً على سمعته وسمعة أسرته طلب منه الأوصاف ومقدار المبلغ وأن ينظره إلى الغد، فذهب عبدالله وجمع المبلغ ووضعه في صُرة حسبما وصف له، ولما جاء الغد سلم البدوي الصّرة حسب الوصف واعتذر إليه بالنسيان ولكن البدوي جاء للدكان المجاور ويتشفى بسبّه لعبدالله الذي جحد الأمانة، ولم يعطها لي إلا بعد رفع الصوت عليه.
فقال صاحب الدكان المجاور للبدويّ، لأنّه يعرف عبدالله وأمانته وورعه، وقال للبدوي لقد ظلمت الرجل لأنني أعرف أمانته وحسن تعامله، وفتح صندوقاً فأخرج الصّرة وقال: هذه أمانتك عندي كما هي وقال عليك أن ترد ما أعطاك وتعتذر منه، ففعل واعتذر وطلب المسامحة وأرجع إليه الصّرة ومدح شهامته وحسن تصرفه ذباً عن عرضه وعن سمعة أسرته، وهي قصّة جاءت عنده في 7 صفحات تصلح أن تخرج في برنامج إذاعي لاتخاذ القدوة في الأمانة وحسن التصرف (ص 60-66) ولا داعي لذكر الأسماء.
وعن شهر ذي الحجة فإن كل ما رصده فيه، لم يلفت النظر، وإنما هي أسفاره وإجازة عيد الفطر ومقابلات، لكنه أعجبه لغزاً فوضعه في شهر ذي القعدة من عام 1411هـ مع حلّه وهذا اللغز هو بالشعر العامي:
أربعة مع أربعة.. تقامزوا بالمزرعة
معهم صبي دوبلى.. يضرب مضاريب أربعة
قيل في الحلّ: إنه المخلب “المحش”، فأصابع اليد اليمنى أربعة تمسك به، وأصابع اليد اليسرى أربعة تمسك النّبتة المراد قصّها والصّبيّ الدوبلى هو المحشّ (ص85).
كان موجوداً في جدة في شهر ذي الحجة عام 1410هـ فراق له تنظيم رحلة للبحر، لأن الزائر للبحر يضع في برنامجه في إجازة شهر ذي الحجة، إذا اتسع وقته وتوفرت الوسيلة والرفقة المؤنسة، وقد تهيأ له ذلك ووصف هذه الرحلة بالأنس مع الرفقة، فاصطادوا السمك الطري، وتمتعوا مع الأولاد بشَوْيه (ص 90-94) وقد ذهب بعد رحلة البحر في جدة إلى مِنَى بمكة المكرمة، للسلام على جلالة الملك، ثم تحدث عن الحج وإدارته وتجمع الناس بالملايين في وقت واحد في بقعة محصورة طبائعهم مختلفة ولغاتهم متباينة ويذكّر بالمحشر (94-97).
واستفتح عام 1411هـ بأبيات شعرية استهوته، وهو يحب العجائب والغرائب، والكلمات العامية (ص 109 - 112).
وعن دخول الجيوش العراقية، للكويت رصد تاريخه بأنه يوم الخميس 11 محرم الموافق أغسطس مكتسحة أمامها كل شيء، وقتل أناس كثيرون، ونجا الشيخ جابر وسمو ولي العهد الشيخ سعد الذي كان له بعد الله الإسراع بخروجهما من الكويت ومن استطاع إلى المملكة، وتبيّن أن الأمر قد “دُبّر بليل”.
وما مجيء الوفد العراقي إلا تعمية، وكسباً للمملكة أنهم استجابوا لدعوتها، وهذا الاكتساح فضح نواياهم، ومن كان يسير في ركابهم، من زعماء أملوا كسباً وراء هذا الغزو، وقد علل ذلك بشغل الجنود المدربين، وعددهم فوق المليون، والعراق منهك وحسد. (ص 124 -126).
وفي ص 132 أفاد بأن الأيام بينت أن الملك حسين ورئيسين آخرين أيضاً كانا مع صدام في غزوه للكويت ولأن هذا الحدث مهم ومؤلم فقد توسع في نقل تداعياته وموقف المملكة المشرف في احتضان الكويتيين ومواساتهم.. وفي الحلقة القادمة نوضح شيئاً من ذلك.
“للحديث صلة”
mshuwaier@hotmail.com