بعد أكثر من عامين من الحراك الثوري الملتهب في عالمنا العربي، تتضح الصورة بشكل أكبر، فما جرى، ولا يزال يجري هو جزء من صورة كبرى لها ما قبلها، وسيكون لها ما بعدها، ولو رجعنا إلى الوراء، وتذكرنا سيناريو العراق منذ العام 1991، لأدركنا أن تدمير عراق الرشيد تم بشكل ممنهج، بدأ بدكه، وتدمير جيشه، ثم بتجويع شعبه، وقتل أطفاله، وانتهى الأمر باحتلاله، ولعلي أذكركم بالمقولة الشهيرة لسيئ الذكر دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، وذلك عندما سئل عن سبب ضرب العراق، مع أنه لا علاقة له بأحداث سبتمبر، فقال: «لا توجد أهداف جيدة في أفغانستان لضربها!»، أي أنه يوجد أهداف جيدة بالعراق، وقد صدق في ذلك، فقد كانت الأهداف جيدة، لدرجة أن رامسفيلد وجنرالاته ممن يصفهم المفكر نعوم تشومسكي بمجرمي الحرب، استمتعوا باستخدام كل ما كان متاحاً من السلاح في المخازن العسكرية، كما جربوا معظم الأسلحة الجديدة على أهداف حقيقة، وبشر حقيقيين!
هنا نتساءل عن المستفيد الأكبر من تدمير العراق، والجواب سيدلنا بكل تأكيد على أهمية تدمير القوى الكبرى في العالم العربي لصالح ذات المستفيد! ولا أظنني بحاجة لأن أحيلكم إلى ما يجري في مصر حالياً من تدمير ممنهج، فمنذ متى كان المصريون أحزاباً متصارعة، فهذا إخواني، وذاك سلفي، والآخر فلول، وهلم جرا من التصنيفات التي لم يعهدها هذا الشعب العريق، الذي يضرب المثل بوطنيته، وتسامحه؟! ثم هل يعلم أحد على وجه التحديد إلى أين سينتهي هذا كله، في ظل اقتصاد على شفا الانهيار، وتشرذم لم يسبق له مثيل، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى انفراج قريب في مصر العروبة، فلا الحكام الجدد مستعدون للتنازل عن احتكار السلطة، ولا خصومهم على استعداد للاعتراف بهم، فهل يراد لمصر أن تسير على خطى العراق؟!
وماذا عن سوريا؟ فقد تحولت ثورتها السلمية، التي وصفت بأنها واحدة من أعظم الثورات، إلى صراع مسلح، في ظل تخاذل واضح من المجتمع الدولي، فقد كان الثوار على يقين بأن هذا المجتمع لن يتركهم يواجهون مصيرهم ضد نظامهم الغاشم والفاشي، وكانت النتيجة هي تدمير البنية التحتية لسوريا بشكل شبه كامل، وتشرد أهلها في مخيمات توزعت على دول الجوار، وهنا نعود لنتساءل عن المستفيد الأكبر من تدمير سوريا على الطريقة العراقية؟ فهل هي من المصادفات أن يتم هذا التدمير الممنهج لثلاثة بلدان عربية خلال عقد واحد من الزمان، ولعل العجب يزول إذا علمنا أن هناك مستفيداً، يتابع الأحداث بدقة، وربما يساهم في توجيه بوصلة التدمير كلما زلت عن الهدف، فمن هو يا ترى هذا المستفيد؟ وأنا على يقين بأنه لا يخفى على حدسكم!!
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2