|
انطلاقاً من الشراكة بين جامعة الأميرة نورة ومؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر لتعزيز الشراكة المجتمعية من خلال كرسي بحث صحيفة الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة وذلك للإسهام في تطوير البحث اللغوي الحديث وتعزيز مساراته داخل الجامعة وخارجها. ولقد تمحورت مجالات الكرسي حول علم اللغة النصي والتعابير الاصطلاحية، ومشروع الترجمة، والتدريب على المهارات اللغوية، وإعداد الملتقيات في فن المقالة وعلم اللغة الحاسوبي وعلم النص، إذ شكل الكرسي من خلال فرق العمل والمشاريع على مدى ثلاث سنوات مجموعة من أكبر المجموعات البحثية السعودية حيث ضمت مائة وعشر أكاديميين في الدراسات اللغوية من داخل المملكة وخارجها.
ويأتي من ضمن نتاج ذلك ثلاثة إصدارات أكاديمية جديدة هي: (التعابير الاصطلاحية في ضوء النظريات اللسانية الحديثة - دراسة تطبيقية على مدونة صحيفة الجزيرة) و(دراسات في علم اللغة النصي - مقاربة تطبيقية على مدونة صحيفة الجزيرة) و(الحاسوب والبحث اللغوي - المدونات اللغوية نموذجا).
التعابير الاصطلاحية
يضم كتاب (التعابير الاصطلاحية في ضوء النظريات اللسانية الحديثة - دراسة تطبيقية على مدونة صحيفة الجزيرة) مجموعة أبحاث متخصصة هي :
- الأبعاد التداولية للتعبير الاصطلاحي للدكتور ثناء محمد سالم
- ظاهرة الاقتران الدلالي - دراسة معجمية تطبيقية للدكتور نوال بنت علي الفلاج
- العلاقات الدلالية للتعبيرات الاصطلاحية في مجال الرياضة للأستاذة رائدة بنت حسن المالكي والأستاذة هند شارع القحطاني
- ملحق: المسارات الجديدة في البحث اللغوي: مقترحات بحثية مقدمة من نخبة من اللسانيين العرب
وقدم للكتاب الزميل الأستاذ رئيس التحرير خالد بن حمد المالك كلمة قال فيها: (لو لم يكن من فائدة في استضافة جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن لكرسي بحث جريدة الجزيرة للدراسات الحديثة إلا تبني هذا المشروع العلمي الرائد من خلال هذا الكرسي، وإصداره في كتاب بحثي، وأعني بذلك قيام نخبة من الأكاديميين والأكاديميات بتقديم هذه الدراسة التطبيقية على التعبيرات الاصطلاحية في صحيفة الجزيرة لكفى، غير أن مساحة الفائدة تمتد بنظري إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
وبالتأكيد فإن الفائدة في دراسة كهذه، وإن اقتصرت على التعبيرات الاصطلاحية في صحيفة الجزيرة، إلا أنه يمكن تطبيقها بنفس التوجيه وبذات السياق وبمثل هذا المنهج البحثي على صحف أخرى زميلة فهي تحتاج، كما هي صحيفة الجزيرة إلى التقويم واستكشاف مواقع القوة ونقاط الضعف فيها، وصولا إلى المعالجة التي ترتقي بمستوى العمل، وتقدمه في قالب لغوي وأسلوب إبداعي ودرجة عالية من الإتقان بمثل هذا الطرح الثري.
إن جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وهي بيئة علمية معنية بكل ماله علاقة بروح الإبداع والابتكار، لا تجد نفسها إلا ضمن دوائر الحراك الثقافي والعلمي، بأبحاثها ودراساتها وتفوق أكاديمياتها، ولعل هذا الكتاب وكتبا أخرى ستصدر عن كرسي صحيفة الجزيرة للدراسات الحديثة التي تشرف عليه حتى صدور هذا الكتاب الدكتورة نورة الحلوة تعطي مؤشرا وانطباعا عن التوجه الذي تقوده الجامعة لإثراء لغتنا الجميلة بالدراسات والأبحاث التي تعاني موضوعاتها من نقص حاد في تقصي المعلومات عنها.
وفي كل الأحوال، فإن كتابا يحمل دراسات على هذا النحو وبهذا التوثيق، ويصدر من جامعة رائدة، ويتولى كتابة موضوعاته كفاءات وقدرات علمية متمكنة، هو بالتأكيد كتاب موسوعي ومرجع مهم لكل الدارسين والباحثين، وسوف يكون ضمن من تحتفي به المكتبات ومراكز البحوث، وبذات الاهتمام عند كل من لديه ذائقة فنية في الاستماع بهذا النوع من الموضوعات التي تعنى بالدراسات اللغوية الحديثة.
وسيلاحظ من يقرأ هذا الكتاب إشارات جميلة عن تميز التعبير الاصطلاحي ببنى تركيبية متنوعة، منها الاسمي والفعلي والحرفي، البسيط والمركب، ومنه المقترن المضاف، والمبني والمكنى والمثنى، ومنه المقلوب والمزدوج والمتبوع، وهي تعابير تنسجم في بنيتها مع قواعد النحو العربي، كما يشير إلى ذلك أو يفهم من مضمون الكتاب.
وكما علمت من المشرفة على الكرسي الدكتورة نوال الحلوة، فإن من أهداف المشروع تبني الشراكات العلمية بين جامعة الأميرة نورة وجامعات أخرى، والتعرف على الطبيعة التركيبية والدلالية للتعبير الاصطلاحي، وحدود التصرف في التركيب في الاستعمال اللغوي، وخدمة المتحدث بالفصحى، والكف عن مواطن الخطأ في لغة الاستعمال، وخدمة الترجمة بالوقوف على المعنى الدقيق للتركيب في سياقه، ومعرفة المستجدات في اللغة العربية المعاصرة من خلال تتبع الظاهرة في صحيفة الجزيرة.
وهذا الجهد الكبير، والعمل المتميز، يبقى الحديث عنه ناقصا ما لم يتعرف القارئ على الأعضاء المشاركين فيه وهم: الدكتورة ثناء سالم، وقد جاءت مشاركتها ببحث عن الأبعاد التداولية للتعبير الاصطلاحي وكفاءات طرفي الخطاب، والدكتورة نوال الفلاح وقد تركز بحثها على ظاهرة الاقتراف الدلالي بين ضوابط المصاحبة وقوانين الاختيار، فيما تحدثت هند القحطاني عن العلاقة الدلالية للتعبيرات الاصطلاحية في مجال الرياضة.
أمام هذه المعلومات الغنية والرؤى الثرية في واحد من أعقد التخصصات، الذي قد يجد فيه القارئ بعض الجفاف من حيث الأسلوب والعبارة المفردة، بحكم أن بعضها ليس دارجا في أحاديثنا الشفهية، أو بما نقرأه من كتابات لغير المتخصصين في الصحف وحتى في كثير من الكتب، إلا أنها ضرورية للحفاظ على التركيب الصحيح للتعبيرات الاصطلاحية، وإن ظهر ذلك غير واضح للعامة وإنصاف المثقفين.
بقي لي أن أحيي فريق العمل الذي قام بهذا الجهد، وأن أشكر المشرفة على الكرسي وزميلاتها بأن خصوا صحيفة الجزيرة بهذه الدراسة التطبيقية على التعبيرات الاصطلاحية فيما ينشر فيها، مقدرا لمديرة الجامعة الدكتورة هدى العميل دعمها لهذا المشروع الذي آمل أن يتواصل بنفس الجدية والاهتمام والتجويد مع المشرفة الجديدة على كرسي صحيفة الجزيرة الدكتورة نوال الثنيان.
دراسات في علم اللغة النصي
ويشتمل كتاب (دراسات في علم اللغة النصي - مقاربة تطبيقية على مدونة صحيفة الجزيرة) على عدد من الأبحاث المتخصصة في مجالها وهي:
1- استراتيجيات الإقناع في الخطاب السعودي - دراسة نصية تداولية للدكتور نعمان بوقرة
2- أثر التكرار في التماسك النصي - مقاربة معجمية تطبيقية للدكتورة نوال بنت إبراهيم الحلوة
3- الإحالة الضميرية - دراسة نحوية نصية للدكتورة نوال الثنيان
4- التماسك النصي بين الشكل والمضمون للدكتورة ليلى محمد با يزيد
5- ملحق: المسارات الجديدة في البحث اللغوي - مقترحات بحثية مقدمة من نخبة من اللسانيين العرب
وقدم للكتاب الدكتور محمد خطابي بكلمة قال فيها: إن تعدد المؤلفات قد يوحي بأن الدراسات جزر متباعدة متنائية ليس بينها جامع. بيد أن القارئ الحصيف مدرك لا ريب أنها دراسات متكاملة بينها جوامع متنوعة. فما هي؟:
1- النصوص المختارة مقالات منشورة في إحدى الصحف السائرة في المملكة (الجزيرة)
2- وهذا الجامع متصل بالأول، نقصد انتماء المقالات إلى نوع خطابي ذي تأثير كبير في صناعة الرأي العام وتوجيهه.
3- انتماء زادها النظري إلى مبحثين معرفيين يتفاعلان، ويتنازعان الريادة، ويسعى كل منهما إلى إزاحة الآخر «من الطريق»: لسانيات النص، وتحليل الخطاب.
4- التركيز على التطبيق، ووسيلته التحليل المتأني، وبناء خلاصات مستمدة من نتائج التحليل.
5- تجسيد الدراسات مسعى لا يمكن إلا تشجيعه والترحيب به. إنه انفتاح الجامعة على المجتمع وهمومه وتطلعاته، ورصد مستجداته عبر إخضاع ما ينتج بوتيرة يومية متصلا به، وهل من خطاب أقدر على ضمان ذلك من الخطاب الإعلامي؟
6- جمع الدراسات بين إلمام عميق بالثقافة العربية، في جانبها اللغوي- البلاغي، والثقافة الغربية في جانبها اللساني النصي-الخطابي.
7- ذكاء الباحثات في انتقاء المتن المدروس. يتجلى ذلك في الاستجابة للمنتظر من ناحية، ومناسبته للمنطلقات النظرية والمتطلبات المنهجية.
8- الجمع بين النظر والعمل
أما من زاوية منهجية محض فيمكن الذهاب إلى أن الدراسات المضمومة بين دفتي الكتاب يتنازعهما قطبا النص والخطاب، وهي حقيقة لا يمكن الإفلات منها لاعتبارات منهجية ونظرية أيضا. وربما عاد ذلك إلى أن المظاهر النصية المعالجة في الكتاب رأت النور أول مرة في نحو النص الذي توسع أفقه النظري في ضوء الأسئلة التي واجهته في مراحل التأسيس فاستجاب لها بتغيير الاسم دلالة على ذلك، ومن ثم أضحى «لسانيات النص» إشارة إلى التحول المذكور. ولعل أبرز مؤشر على التحول انفتاحه على علوم مجاورة تغني طرق النظر إلى النص، نعني علم النفس المعرفي، والذكاء الاصطناعي، واللسانيات الحاسوبية وفي مرحلة تالية اللسانيات المعرفية.
أما الجانب الخطابي في الدراسات فيمثلها التذكير بأنها تستقي من اللسانيات التداولية بعض المفاهيم وإجراءات المقاربة والتفسير.. وإذا كانت الدراسات قد حاولت معالجة متوازنة بين مقتضيات النص ومقاصد الخطاب، فإنها - من زاوية فهمنا - تفتح الباب مشرعا أمام أبحاث مستقبلية تلفت إلى ما أضحى اليوم ديدن البحث والتمحيص في ما اشتهر باسم «التحليل النقدي للخطاب». وهو بالمناسبة مبحث فرعي في تحليل الخطاب يكاد يغدو مهيمنا على معظم الأبحاث الجارية في هذا الحقل. على أن المكون الإعلامي ليس سوى عنصر من عناصر متنوعة بتنوع ا لخطابات الرائجة في المجتمع.
وتأسيسا على ما تقدم يمكن القول إن اللسانيات - بحصر المعنى- قد منحت لسانيات النص شهادة الميلاد، طوعا أو كرها، ويمكن القول أيضا إن النظرية النقدية (مدرسة فرانكفورت) بامتداداتها في حقلي الفلسفة وعلم الاجتماع، ولاسيما التنظيم الاجتماع (المدرسة الفرنسية) قد وقرت الأرضية الصلبة التي أرسى عليها التحليل النقدي للخطاب أسسه، واستمد منها خلفيته. سقنا هذا الحديث من أجل التذكير بأن الأفق المستقبلي الذي ترسمه الأبحاث المضمومة في الكتاب يبشر بهذا المنحى. أما أملنا في هذا فيرتكز على ما تتوفر عليه الباحثات مؤلفات الكتاب من قدرات بحثية لن ينكرها إلا جاحد.
لست ممن يحسون بالحرج إن قالوا كلمة حق في ما يستحقها، وبناء عليه أقول: لقد مكنتني الأبحاث المقدمة في هذا الكتاب من متعة القراءة والاستفادة وتوسيع أفقي البحثي. وأتمنى أن يوافقني القارئ بعد تتبع هذه الدراسات بما يليق بها من العناية.
الحاسوب والبحث اللغوي
ويقدم الدكتور محمود إسماعيل صالح أستاذ اللسانيات التطبيقية في جامعة الملك سعود في كتاب (الحاسوب والبحث اللغوي - المدونات اللغوية نموذجا) دراسة عن أثر الحاسوب في خدمة البحث اللغوي هو ما يعرف بلسانيات المدونات (اللغوية). ولعل مما يلفت انتباه الباحث العربي أنه على الرغم من مرور نصف قرن تقريبا على أول مدونة إلكترونية في اللغة الإنجليزية وحوالي ثلاثة عقود على البحث اللساني المبني على المدونات المحوسبة قلة إلمام اللسانيين العرب بها وبإمكاناتها غير المحدودة. وتأتي هذه الدراسة بمثابة الحافز للعلماء العرب للخوض في غمار هذا العلم وفي الاستفادة من المدونات اللغوية العربية في بحوثهم اللغوية.